|
#1
|
||||||||
|
||||||||
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا وشفعينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير . هذه مجموعة من القصص النبوية نقف عندها ، نسرد وقائعها، ونتفيؤ ظلالها، ونستلهم عبرها، ونستخلص دروسها ومكنون فوائدها .. قصص رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ليست نسج خيال ، وإنما حدَّث بها من قال عنه ربه :{ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} . إنّ القصص ذكرها في القرآن ربنا ، وسلّى بها رسولنا ، صلى الله عليه وسلم .. وما ذاك إلا لعظيم أثرها في تقويم السلوك ، فتأثر الإنسان بالقدوة كبير، وهانا تكمن أهميتها . ولذا لما أراد الله منّا أن نسلك الصراط المستقيم أبان لنا أنّ جمعاً كريماً من الذين رضي عنهم سلكه، وسار عليه، ليسهل علينا ، ففي الفاتحة :{ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} . وحتى تسهل علينا عبادة الصيام قال :{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} . وفي القصص الذي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة لمكارم الأخلاق ونبيل الصفات، فغذا علم الإنسان أنّ غيره ممن سبقه طرق باب هذه الفضائل أمكن أن يتحلى بها ، وكان العزم على ذلك آكد. ومعنى القصة معروف ، ولذا قال في اللسان القصة معروفة. والمراد هنا : أحداث ووقائع رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الأحداث التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم فهذه تُعلم بدراسة السيرة، وليس هذا بمراد هنا .. ولئلا يتفلت الوقت من بين أيدينا أدلف إلى المراد فأقول .. أقف اليوم مع أول قصة من هذه القصص.. حدَّث أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً . ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا ، مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوهُ ، فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» . قَالَ قَتَادَةُ : فَقَالَ الْحَسَنُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ . هذه قصة جليلة القدر امتلأت بالفوائد والعبر .. لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً ثم حدثته نفسه بالتوبة، وهذا يدل على أنّ الإنسان مهما كان بعيداً عن الصراط المستقيم فإنّ الله إذا أراد أن يرده رده.. فلا يليق بك أيها المسلم أنْ تظن أنّ فلاناً بعيد عن رحمة الله .. واحذر أن تُنصب نفسك حكماً على عباد الله . ومن عجيب ما يذكر أنّ أبا سلمة لما أراد الهجرة قابله عمر رضي الله عنه ، وكان على الإشراك، فألان له عمر في الكلام، فقال له أحدهم: أتظن أن عمر يسلم ؟ قال : والله لو أسلم حمار الخطاب لما أسلم ابن الخطاب.. فأسلم عمر بن الخطاب وصار من سادات سادات الأولياء والصالحين . لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً .. عجيب هذا المخلوق الذي يسمى (بالإنسان) لربما قدَّم من الخير ما يُرضي عنه ربَّه.. ولربما عجِب الله من صنيعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري لما أطفأ السراج وتظاهر وزوجه بالأكل ولم يأكلا؛ ليشبع ضيفهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :«لقد عجب ربكما من صنيكما بضيفكما البارحة» . ولربما ركب ثبج المعاصي وفعل أفعالاً لا يمكن تصورها بيسر من الشر والفساد والإفساد والانحلال . ولذا اجعل من في دعائك قول نبيك :«أعوذ بالله من شر نفسي» . دُلَّ هذا الرجل على راهب فسأله .. فأفتى الراهب بغير علم فكان نصيبه منه القتل.. وهذا من شؤم القول على الله بغير علم .. والواجب على الإنسان أن لا يفتي إلا بعلم، وإذا سئل ولم يكن بالجواب عالماً فلا عيب أن يقول : الله أعلم، أو يرشد إلى غيره، أو يطلب وقتاً يبحث فيه المسألة، والإمام مالك رحمه الله ورضي عنه كان كثيراً ما يقول الله أعلم.. فما هو العيب في ذلك؟ العيب أن يتكلم الإنسان بدون علم فيقتحمَ بذلك نار جهنم والعياذ بالله . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحياناً فلا يرجع بجواب حتى ينزل القرآن عليه . إنّ أحداث هذه القصة شاهدة بخطورة الفتوى بدون علم، فالمفتي بدون علم قد يخرب بيتاً، ويدمر أسرةً، ويعين على باطل، ويحمل على كفر .. قد تضمنت أحداث هذه القصة صورتين للفتيا بدون علم .. الأولى لما سأل عن أهل الأرض فدُلّ على راهب ، والثانية : لما أفتى الراهب بعدم قبول التوبة . إنّ من الخطأ الذي ارتكبه من دلّ هذا الرجل على الراهب أنهم لم يفرقوا بين العالم والعابد .. وهذا خطأ يتلبس به كثير من الناس في هذا الزمان، إذا رأى الواحدُ منهم رجلاً صالحاً يواظب على صلاة الجماعة، ويكثر من ذكر الله، وتبدو عليه أمارات الصلاح ظنه عالماً فسأله عن عباداته ومعاملاته .. ينبغي أن نفرق أيها الأحبة .. أنْ نفرق بين العابد والعالم، بين الخطيب والمفتي ، فليس كل عابد عالماً ، وليس كل خطيب يصلح لأن يتكلم في الفتيا وقضايا الأمة . إنّ هذه القصة التي حدث بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم لتبينُ البون الشاسع والفرق الكبير بين العالم والعابد.. أوما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» . لكن لو نظرنا نظرةً إيجابية لرد الراهب : ليس لك توبة . فهذا يدل على مسألة مهمة . وهي أنّ الإنسان كلما أكثر من عبادة الله ازداد تعظيماً لله .. فهذا الراهب ما قال ذلك إلا لتعظيمه لله ، وكثرةُ عبادته هي التي زادت من تعظيمه لربه . كون الراهب قال : لا توبة لك، هذا خطأ. لكن تأمل في سبب هذا الخطأ.. سببه شدة تعظيمه لله، وإنما أورثه ذلك كثرة عبادته. مع تأكيدنا على خطئه . ولذلك أيها الإخوة قد نجد كثيراً من الشباب تصعب عليهم التوبة من بعض الذنوب .. كأن يكون الواحد منهم على علاقة عاطفية آثمة بالفتيات ، فتجده منزعجاً لهذه المعصية ولكنه لا يقدر على مفارقة سبيلها .. أتدري ما هي النصيحة التي ينبغي أن تقدم لمثل هؤلاء الشباب ؟ إنهم على خير عظيم.. ولولا ذلك لما لامتهم أنفسهم وأنبهم ضميرهم.. فهذا يدل على خير عظيم بنفوسهم .. ولكن النصيحة التي ينبغي أن توجه إليهم أن يجتهدوا في الطاعة، كلما أوغلوا في طريقها سهل عليهم أن يتخلصوا من هذه الآثام . إنّ هذا الرجل أراد الله به خيراً .. انظروا كيف أنه ما زال يحدث نفسه بالتوبة حتى بعدما قتل الراهب وأكمل به المائة .. سبحان الله، إن هذا مما يؤكد قول الله تعالى :{ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} [يونس :107] . وفي وقوله صلى الله عليه وسلم :«فدل على راهب» قد يُستفاد منه –كما أشار ابن حجر رحمه الله – أنّ هذه القصة وقعت بعد رفع عيسى عليه السلام، فالرهبانية إنما ابتدعها أصحابه ، كما في سورة الحديد : { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَ} . وأشار ابن حجر أيضاً إلى قلة فطنة الراهب، لأنه علم أنّ القتل عند ذاك الرجل كشرب الماء، فكان عليه أن يحتاط لنفسه؛ لئلا يصاب بسوء .. ولكني أعود لأقول ثانية: وهو كذلك، ولكنها كما دلت على ذلك دلت أيضاً على أنّ كثرة العبادة تورث شجاعة بحيث لا يخشى الإنسان إلا من الله تعالى. إنّ العلماء هم أرحم الناس بالخلق ، وأفضل العلماء من عرّف الناس بربهم، تأمل هذه العبارة التي نطق العالم بها يحفها النور وتكتنفها الرحمة من كل أنحائها ومن يحول بينك وبين التوبة) . فلان له توبة أو ليس له توبة هذا لا يحدده شخص ، تُقبل منه أو لا تقبل .. هذا أمره لله تعالى .. ماذا بقي في القصة من الفوائد؟ بقي كل شيء، وأعظم شيء .. بقي أن نشير إلى عظيم رحمة ربنا بنا .. لقد فتح الله باب التوبة للكافرين فقال: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} . فتحه لفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، قال الله لموسى وأخيه عليهما السلام :{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. فتحه لمن قال اتخذ الله ولداً، مع أنه حدثنا عن خطورة هذه الكلمة بقوله :{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا } . مع كل ذلك دعاهم إلى التوبة فقال : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . فتحها لمعذبي أوليائه الذين خددوا الأخاديد وأضرموا النار فيها وقذفوا إليها بعباد الله الموحدين فقال :{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} . دعا إليها المنان بقوله : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمً} . ندب إليه كل مسرف بعيد عنه فقال :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعً} . المستمع الكريم: سوف لن تتمكن من الاستمرار على طريق التوبة إلا بعد أن تتخلص من كل شيء يذكرك بالذنب الذي عزمت على التوبة منه.. ولذا أرشد العالم ذاك الرجل إلى أن يبرح الأرض التي كان بها إلى أرض أخرى، وهذا يدل على تأثير البيئة في أهلها. ويدل على أهمية مجاورة الصالحين ، وعلى عظيم رحمة ذاك العالم الذي لم يكتف فقط بالإرشاد إلى أنّ باب التوبة مفتوح .. ولكن أرشد إلى ما من شأنه أن يعين عليها . ولذا نجد بعض شبابنا يفارق الذنب ثم يعود إليه لأنه لم يتخلص من كل ما يتعلق به.. فالشاب الذي يريد بحق أن يقطع علاقته الآثمة مع فلانة هذه ينبغي أن يتخلص من صورها .. من كل مادة صوتية لها .. من كل رسائلها في جواله وفي بريده الإلكتروني .. أن ينأى بنفسه عنها . فإذا فعل ذلك سهلت التوبة عليه . إنّ مما يعين على الاستمرار على طريق التوبة أن تفارق أصدقاء السوء .. وأن تتخذ لنفسك بطانة خير يذكرونك بالله إذا نسيت، ويعينونك على طاعته إذا ذكرت . هذه القصة من القصص التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذه القصة سمعها ورواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ؛ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ . فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟! فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ . فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ –ويجوز بكسر الكاف-، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ . فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» . أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأخرجه أحمد وابن ماجة . وأقف أولاً مع الألفاظ الغريبة : معنى سيخلص : يميزه عن سائر الناس ويكون في معزل عنهم . والسجل : الكتاب الكبير . إنّ أول فائدة تشد الانتباه إليها هي فضل كلمة لا إله إلا الله . هذه الكلمة التي قال عنها نوحٌ عليه السلام لابنه عند موته :" آمرك بلا إله إلا الله ؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجَحت بهم لا إله إلا الله ، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة فصمتهن لا إله إلا الله". وعند الحاكم والنسائي في الكبرى يُروى أنّ موسى عليه السلام قال : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : يا موسى قل : لا إله إلا الله ، قال : يا رب كل عبادك ، يقول هذا ، قال : قل : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئا تخصني به ، قال : يا موسى لو أنّ السماوات السبع وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ». لهذه الكلمة المباركة قام سوق الجنة والنار كما قال العلماء، وسل سيف الجهاد في سبيل الله ، فمن قالها عُصم دمه وماله وحسابه على الله كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يوم القيامة كله في السؤال عنها وعن حقوقها . ولما كانت هذه الكلمة بتلك الأهمية لم يكن مستغرباً أن أستطرد قليلاً في الحديث عنها . إنّ خير كلمة تذكر بها ربك : لا إله إلا الله ، قال صلى الله عليه وسلم :« خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أخرجه الترمذي ، وله أيضاً :« أَفْضَلُ الذِّكْرِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . وفي صحيح البخاري رحمه الله أنّ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ :«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :« وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ » . ولا يخفى على القارئ الكريم أنّ دخول الجنة على قسمين : الأول دخول بدون عذاب . الثاني : دخول بعذاب . ولذا فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على ما حرم الله تعالى . إنّ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحتى ينتفع المسلم بهذه الكلمة فينبغي عليه أن يتنبه لسبعة أمور : 1/ عليك أن تعلم أنّ معنى لا إله إلا الله أي : لا معبود بحق إلا الله . فإنّ كثيراً من الآلهة عُبدت بالباطل كما قال تعالى ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ) وفي آيةٍ أخرى : ( هو الباطل ) . وكلمة (بحق) لابد من تقديرها، فحذف خبر لا النافية للجنس شائع سائغ ، قال في الألفية : وشاع في ذا الباب إسقاط الخبرْ إذ المراد مع سقوطه ظهرْ 2/ ينبغي أن لا تشط فيما دلت عليه من إفراد الله بالألوهية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [أخرجه مسلم] . 3/ لابد من الإخلاص فيها ، فمن قالها رياءً لم تنفعه ، ففي البخاري حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم :«إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل» ، فمفهوم الحديث أنّ من يخلص لم يحرمه الله على النار ، والله أغنى الشركاء عن الشرك والرياء . 4/ لابد من الصدق حتى ننتفع بها ، أن نقولها بصدق ، فمن قالها نفاقاً لم تقبل منه . قال أنسُ بْنُ مَالِكٍ : كان معاذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ :«يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ :«يَا مُعَاذُ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . -ثَلَاثًا - قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» [أخرجه البخاري] . 5/ لابد من محبة هذه الكلمة ومحبة ما دلت عليه . ففي الصحيحن قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» . ولابد من الانقياد لها وقبولها . واعلم – وفقك الله لكل خير – أنّه لابد من الكفر بالآلهة التي تعبد من دون الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» [أخرجه مسلم] . واسمح لي أيها المستمع الكريم أن أطرح سؤالاً قبل أن أغادر هذه الفائدة إلى فائدة أخرى من فوائد هذه القصة . أرايت لو أنّ إنساناً قال لا إله إلا الله ولكنه يدعو غير الله هل تنفعه لا إله إلا الله ؟ لا أظنك ستقول إلا : لا . لن ينتفع بها . لماذا ؟ الجواب : قول هذه الكلمة عمل صالح كما لا يخفى ، والأعمال الصالحة تبطل بالشرك ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ). يا أيها الأحبة في الله .. يا أيها الأكارم، يا ايها الأخوات .. أرايتم لو كان لأب ابنين ، سليم ومعاق . فسقط قلم الأب ، فطلب إلى الابن المعاق أن يرفعه وترك ابنه السليم ، أتقولون في هذا . لا شك أنه سفه في العقل . أرأيتم لو كان المعاق غائباً والسليم حاضراً وطلب إلى المعاق الغائب وترك السليم الحاضر ؟ لا شك أنه أشد سفهاً . فكيف نترك الله المجيب القريب ونعلق حاجاتنا بغير الله ، وندعوا الأموات الذين لا يسمعون ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم كما قال ربكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير . نسأل الله العافية . وفي هذه القصة المباركة إثبات البعث والنشور ، والإيمان بذلك من أركان الإيمان بالله . وفيها كلام الله لعباده يوم القيامة . وفيها أنّ الله منزه عن الظلم ؛ لكمال عدله سبحانه ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ الله قال :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا". والآيات في هذا المعنى كثيرة . وفي الحديث إثبات الوزن والميزان ، وأنّ له كفتين ، وأنّ الذي يوزن سجل العمل ، وقد دلت بعض النصوص أنّ الذي يوزن العمل ، ودلت كذلك على أن الذي يوزن العامل ، كما في حيث ابن مسعود لما ضحك الصحابة من دقة ساقيه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد» ، وسواء وزن العمل أم العامل فلا ظلم يخشاه العبد ، إنما هي أعمالنا نجدها عند ربنا ، فلنحرص على أن تثقل موازيننا. وفي الحديث عظيم رحمة الله تعالى ، وأنّ الله واسع المغفرة . بقيت مسألة أخيرة ، وهي أنّ كل مسلم يملك هذه البطاقة ولكنه قد لا ينتفع بها ، يقول ابن القيم رحمه الله :" فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض ، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ، وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب ، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات : لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل . وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى فانظر إلى ذكر من امتلأ قلبه بمحبتك وذكر من هو معرض عنك هل يكون ذكرهما واحداً ؟ وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره ويعالج سكرات الموت ، وقريب من هذا : ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش يأكل الثرى ، فقام بقلبها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها ، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر ، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذى جرت عادة الناس بضربه ، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً ؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء ، فغفر لها ، فهكذا الأعمال والعمال عند الله ، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهباً والله المستعان"انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير. أكتفي بهذا القدر ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله .
الموضوع الأصلي :
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
-||-
المصدر :
منتديات حبة حب
-||-
الكاتب :
أسد العرب
|
04-27-2012, 06:45 PM | #2 | |
:: الإدارة ::
|
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|