الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين
يقول ابن الجوزي : قرأت سوره يوسف عليه السلام
فتعجبت من مدحه على صبره ,
وشرح قصته للناس , ورفع قدره , فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه ,
فقلت : و أعجبا لو وافق هواه من كان يكون ؟ ولما خالفه لقد صار أمرا عظيما تضرب
لأمثال بصبره , ويفتخر على الخلق باجتهاده , وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزا وفخرا
أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب
صيد الخاطر 291
( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ )
يوسف 7 آيات لكل من سأل عنها بلسان الحال
أو بلسان المقال ,فان السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر , وأما المعرضون
فلا ينتفعون بالآيات , ولا بالقصص و البينات
ابن سعدي تفسيره 349
( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
يوسف 12 لم ينكر والدهم ذلك بل أرسله
معهم , مما يدل على مشروعيه اللعب البريء وحاجه الأبناء إليه , وهو يرسم منهج الوسطية
بين الذين اتخذوا حياتهم لهوا ولعبا , واشتروا لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله , وبين الذين
تشددوا وغلوا , وحرموا زينه الله التي اخرج لعباده , فلا يجوز تحريم اللعب بإطلاق أو
تحليله دون ضابط .
أ.د ناصر العمر
كلمـ عن التدبر ـات
من القضايا المسلّمة أنه مهما تأنق الإنسان في تحبير العبارات ـ وهو يوضح معاني كلام الله
فما هوإلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة، وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة،
إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب ، وما تضمنه من لب اللباب
جمال الدين القاسمي ـ، قدمة تفسيره ( محاسن التأويل ) 1ــ5
( قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ )
يوسف 17
المتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل , فإنهم جاؤوا
أباهم عشاء يبكون ,فهذا تمثيل ولكنه لم يدم لهم
محمد المنجد \ 100 فائدة من سورة يوسف
احد الشباب كان يعاني من تعلقه ببعض الفواحش , وكان يجد شدة في تركها ,
حتى أذن الله بذهاب حبها من قلبه بسبب تدبره لقوله تعالى - عن يوسف عليه السلام - :
(كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )
يوسف 24 فرجع لنفسه وقال
لو كنت مخلصا لنجاني ربي كما أنجى يوسف , ولم يمض وقت طويل حتى صار هذا
الشاب احد الدعاة إلى الله
تأمل قوله تعالى عن النسوة :
( امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ )
يوسف 30
ولم يقلن : فتى العزيز راود سيدته , وفي هذا طمأنة لأصحاب المبادئ ,
الذين يتعرضون لتشويه السمعة , وإلصاق التهم عن طريق الإشاعات والافتراء , إذ سرعان
ما تتضح مواقفهم , وتظهر براءتهم ساطعة كالشمس :
( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ )
يوسف 51
أ.د ناصر العمر
انظر إلى قوله تعالى في سوره يوسف عن النسوة :
(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ )يوسف 31
وقول الملك ليوسف :
(فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِين)
يوسف 54 فيه أن النساء يروقهن حسن
المظهر , وأما الرجال فيروقهم جمال المنطق والمخبر ,
وتلك من طبيعة التي خلقها الله تعالى في النفوس
د. محمد الحمد
عندما قال يوسف للسجينين :
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)
يوسف 37
ولم يشتم دينهما أمامهما , فالمقام ليس مقام رد ولا استفزاز ولا حساب ,
بل مقام بلاغ, والحق إذا تبين
فليس بالضرورة أن يجهر بشتم الباطل الذي يدين به الشخص المقابل
أ.د ناصر العمر
قول يوسف عليه السلام :
(ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ )يوسف 38
علق قتادة على ذلك فقال : إن المؤمن ليشكر ما به من نعمه الله , ويشكر ما
في الناس من نعم الله .
الدر المنثور 8\255
كلمـ عن التدبر ـات
"ورد ذكر القلب في القرآن أكثر من 130 مرة وأضيف إليه أكثر من 36 عملا
ووصفا، وكل ذلك دال
على عظيم محله ، وأنه ملك الجوارح ، ومع ذلك نرى إهمال العباد لقلوبهم ،
فلا يزكونها ولا يتعلمون
الله فيها وينشغلون عنها بأعمال الجوارح وهي الأصل .
د. محمد الخضيري
فهم سياق الآيات وتدبرها مما
يعين على فهم المعنى
إذا أختلف فيه المفسرون –
ومثال ذلك : جزم شيخ الإسلام ابن تيميه بأن امرأة العزيز هي التي قالت :
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )يوسف 53
لأن السياق متصل بكلامها , واتبع ذلك بقوله : يدل القرآن على ذلك دلاله بينه ,
لا يرتاب فيها من تدبر القرآن .
دقائق التفسير 2\273
في قول يوسف لأخوته :
( فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ )
يوسف 60
فيه مشروعيه المقاطعة الاقتصادية , لتحصيل غرض مشروع , طالما أن المصلحة
الشرعية اقتضتها , فيوسف بين لأخوته انه ليس بينهم أي تعاون اقتصادي ما لم ينفذوا مطلبه
أ.د ناصر العمر
أهل الصلاح يظهر عليهم صلاحهم , ويحبهم الناس , وينجذبون إلى عدلهم وصدقهم ,
فأهل البلد من الكفار و الفساق : الملك , وخباز الملك وغيرهم لجؤوا إلى يوسف
عليه السلام :
(إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين)يوسف 78 فحالتك وسيرتك وهيئتك
وأفعالك تخبر انك من المحسنين .
محمد المنجد \100 فائدة من سورة يوسف
تأمل دقه يوسف عليه السلام لما قال :
(قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا )
يوسف 79
فلم يقل من سرق , لأنه يعلم أن أخاه لم يسرق , فكان دقيقا في عبارته ,
فلم يتهم أخاه , كما
لم يثر الشكوك حول دعوى السرقة , فما أحوجنا إلى الدقة في
كلماتنا , مع تحقق الوصول إلى مرادنا
أ.د ناصر العمر
يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء , فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثرا للإجابة ,
ولا يتغير أمله ورجاؤه
ولو قويت أسباب اليأس , لعلمه أن ربه اعلم بمصالحه منه ,
أما سمعت قصه يعقوب عليه السلام ؟
بقي ثمانين سنه في البلاء ورجاؤه لا يتغير, فلما ضم بنيامين بعد فقد يوسف
لم يتغير أمله وقال :
(عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا)
يوسف 83 فإياك أن تستطيل زمان البلاء ,
وتضجر من كثرة الدعاء , ,
فأنك مبتلى بالبلاء , متعبد بالصبر والدعاء ,
ولا تيأس من روح الله وان طال البلاء
ابن الجوزي \صيد الخاطر 552
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ )
يوسف 87
إن سم التشاؤم الذي يحاول المنافقون دسه على المؤمنين ,
له ترياق ودواء جدير بان يذهبه ,
ألا وهو بث اليقين بمعية الله , والتوكل عليه , ولنثق بأن الذي يخرج
اللبن من بين الفرث والدم ,
قادر على إخراج النصر من رحم البأساء والضراء .
أ.د ناصر العمر
قوله تعالى :
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ
إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )يوسف 87 رغم كثرة المصائب وشدة
النكبات والمتغيرات التي تعاقبت على نبي الله يعقوب عليه السلام , إلا أن الذي لم
يتغير أبدا هو حسن ظنه بربه تعالى
صالح المغامسي
من تأمل ذل إخوة يوسف لما قالوا :
(وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا )
يوسف 88 عرف شؤم الزلل
ابن الجوزي \ صيد الخاطر ص 90
يزداد التعجب ويشتد الاستغراب
من أناس يقرؤون سورة يوسف , ويرون ما عمله
إخوته معه عندما فرقوا بينه وبين أبيه , وما ترتب على ذلك من مآسي وفواجع :
إلقاء في البئر , وبيعه مملوكا , وتعريضه للفتن وسجنه , واتهامه بالسرقة .. بعد ذلك
كله يأتي منه ذلك الموقف الرائع :
( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ )
يوسف 92
يرون ذلك فلا يعفون ولا يصفحون ؟
فهلا عفوت أخي كما عفى بلا من ولا أذى ؟
ألا تحبون أن يغفر الله لكم
أ.د ناصر العمر
تأمل قول يوسف عليه السلام :(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ )
يوسف 100
فلم يذكر خروجه من الجب , مع أن النعمة فيه أعظم , لوجهين : أحدهما : لئلا
يستحيي إخوته , والكريم يغضي عن اللوم , ولا سيما في وقت الصفاء , والثاني :
لأن السجن كان باختياره , فكان الخروج منه أعظم بخلاف الجب
الزركشي البرهان 3\66
قول يوسف عليه السلام :
( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم
مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) يوسف 100 فيه ا
لحفاظ على مشاعر الآخرين وعدم جرحها , فأنه ما قال : بعد ما ظلمني إخوتي ,وبعد
ما ألقوني في الجب ,بل أضاف ذلك إلى الشيطان ,
وهذا من مكارم الأخلاق وتلك أخلاق الأنبياء
محمد المنجد \100 فائدة من سورة يوسف
...
(حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )
يوسف 110
هذه الآية تجعل الداعية يترقب الخروج من الضيق إلى السعة , مبشرة
بعيشة راضية , ومستقبل واعد , رغم المحن القاسية , والظروف المحيطة ,
فالحوداث المؤلمة مكسبة لحظوظ جليلة من نصر مرتقب , وثواب مدخر , وتطهير من
ذنب , وتنبيه من غفلة , وكل ذلك خير , ف(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ) ,
فلماذا اليأس والقنوط؟
أ.د ناصر العمر
|