|
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
عصامية إمرأة
إنها امرأة لا كالنساء!
خِلْقتها امرأة وهمتها عن ألف امرأة ! صنعت مجدا، وأصلحت زوجا، وربت ابنا، ورسمت ذكرا، ونالت عند الله أجرا. تملك نفسا على الحق ابية، وروحا عزيزة عن زخارف الدنيا الدنية. رفع الله ذكرها لما رفعت ذكره، وأبقى اسمها لما وهبت نفسها له. وجعلها مضرب المثل في التضحية للدين وبناء الأسرة على منهج الإسلام. إنها أم سليم الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان الأنصارية. تزوجت في الجاهليه مالك بن النضر الأنصاري، فولدت منه غلاما اسمه أنس، وكان زوجها مولعا بالشراب ومعاقرت الخمر، مع ماهو فيه من عماية الجهل والشرك بالله العظيم. وما هي إلا اعوام قلائل حتى سطع نورالاسلام على يثرب، ودب التوحيد في بيوتات الأوس والخزرج، وأصبح ما للناس حديث إلا الحديث عن هذا الدين الجديد، يتناقل الناس أخباره، ويتعرفوا على أحكامه. فسمعت أم سليم بنبأ الدين الجديد ، فما أن طرق مسامعها إلا وآمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وشهدت شهات الحق. ألقت علائق الجاهلية وخرافتها وشركها، واستبدلت بالشرك توحيدا وبالباطل حقا ، فجاءها زوجها وقد كان غائبا، فقال لها: أصبوت ؟ فقالت: ما صبوت، ولكني آمنت ! وجعلت تلقن ابنها أنسا كلمة التوحيد وهو حينئذ لم يبلغ العاشرة من عمره، وتقول له : قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدا رسول الله، والغلام يردد معها ماتقول... فقال لها زوجها الكافر: لا تفسدي علي ابني، لا تفسدي علي ابني. وهي تقول: إني لا أفسده ! وصدقت والله ، فمن يربي ولده على توحيد الله وطاعته إنما هو مصلح له لا مفسد. أما زوجها الكافر فإنه لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر وكان مولعا بشربها، قال لزوجته: أرى هذا الرجل- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحرم الخمر. فخرج فارَّا من الاسلام يريد الشام، فلقيه في الطريق عدو له فقتله. فمات على كفره... تلقت المرأة المؤمنة الصابرة نبا وفاة زوجها، وتذكرت طفلها اليتيم أنس، فأخذت على نفسها ألا تتزوج حتى يبلغ أنس مبلغ الرجال، ويجلس في المجالس، فيقول: جزى الله أمي عني خيراً، لقد أحسنت ولايتي. قال أنس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، آزرتني أمي بنصف خمارها، وردَّتْني ببعضه، وأخذت بيدي فانطلقت بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم... فقالت: يا رسول الله ! لم يبق رجل ولا امرأة من الانصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وأهداك بهدية، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، أتيتك به يخدمك، فادع الله له. قال أنس: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته ". فأكثر الله ماله وبارك له فيه، حتى إن بستانا له ليثمر في السنة مرتين، وولد له من صلبه نحو مئة نفس، وأطال الله عمره حتى مات سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وعمره مائةٌ وثلاث سنين. ثم إن رجلا من أشراف أهل المدينة، غنيا ذا جاه ومكانة، يسمى أبو طلحة الأنصاري، رغب في الزواج من أم سليم، فخطبها، وكان يومئذ على الشرك.. فقالت له أم سليم وهي تدعوه إلى الإسلام: يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد قد نبت من الأرض؟ -وكان يعبد صنما من الخشب- قال: بلى. قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة! أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت ؟ ثم عرضت عليه عرضا مغريا فقالت: ياأباطلحة، إن أسلمت، فإني لا أريد منك صداقاً غير الإسلام!! فوجيء الرجل بهذا الطلب الغريب، فقال لها: أمهليني حتى أنظر في أمري... فذهب وهو يفكر في مناقشتها له وما عرضت عليه من الإسلام، فما لبث أن وقر الإسلام في قلبه، فجاء إليها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فنالت مهرها الذي طلبته، ودخل أبو طلحة في الإسلام وشهد شهادة الحق، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة. فتم عند ذلك زواج أم سليم من أبي طلحة الأنصاري، وكان صداقها الإسلام لاغير. فصنعت هذه المرأة من أبي طلحة أسدا من أسود الإسلام، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم مزكيا له: " لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة "، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل " . فصار أبو طلحة رضي الله عنه رجلا مسلما عابدا لله، يحمل بين جنبيه قلبا وقر فيه الإيمان فصدقه العمل، فسخر دنياه وغناه لتقربه إلى الله، يبيع الدنيا الفانية بالآخرة الباقية، فمن ذلك أنهُ كَانَ من أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بستان يقال له: بَيْرُحَاءَ، َكَانَتْ أمام مسجد رسول صلى الله عليه وسلم من ناحية القبلة،ِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخرج من مسجده أو من بيته متوجها إليها حتى يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائها الطَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُنْزِلَ قول الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }آل عمران92 فهزت هذه الآية كيان أبي طلحة، وحركت حب البر والطاعة في قلبه فقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّه. أما أم سليم رضي الله عنها فكانت تدير أسرتها في بيتها على أكمل وجه وأحسنه، قد ضربت لنساء العالمين أروع المثل في حسن العشرة، وشدة الحرص على راحت الزوج ، ولعل الحادثة التالية تبين شيئا من قوة تلك المرأة وشدة تحملها للمصائب والصعاب، مع الرضا التام بقضاء الله وقدره. مرض ابنٌ لأم سليم مرضا شديدا، وكانت أم سليم وزوجها أبو طلحة يجلسان بعد مغرب أحد الأيام عند ابنهما المريض، وهو في شدة وكرب، فحان وقت صلاة العشاء، فخرج أبو طلحة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وفي أثناء ماهم في الصلاة توفي الغلام. فهيأت أم سليم أمر الغلام ولفته في ثوب وأبعدته عن عين الداخل عليها، ثم قالت لمن عندها في البيت: لا تخبروا أبا طلحة عن أمر الغلام حتى اكون أنا التي اخبره! أما أبو طلحة فسلَّم من صلاته ثم عاد مسرعا إلى بيته، ليطمئن على صحة ولده المريض فلما على زوجته قَالَ مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، ففهم أبو طلحة أن صحته قد تحسنت، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ أم سليم الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثم تحركت نفسه لمواقعتها فتجملت له وتزينت ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا. فلما كان من آخر الليل، قالت له أم سليم: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية، فمنعوها، وطُلبت منهم، فشق عليهم ردها. فقال: ما أنصفوا. كيف يستعيرون من الناس ثم يطلب الناس متاعهم فيأبوا رده... قالت: فإن ابنك كان عارية من الله عندك ثم إن الله فقبضه. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ،فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن جماعهما تلك الليلة؟ قَالَ: نَعَمْ، فدعا لهما فقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا. فحملت أم سليم من جماعهما تلك الليلة، فوَلَدَتْ غُلَامًا. فلما ولدته قَالَت لابنها أنس: احْمِلْ أخاك حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وأرسلت معه بتمرات ليحنكه النبي صلى الله عليه وسلم بها. فاحتمله أنس ومعه التمرات حتى أتى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ليحنكه، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَخَذَ التمرات فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِمهِ الطاهرفَجَعَلَهَا فِي فِم الصَّبِيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّه. فهو عبدالله بن أبي طلحة النصاري. فبارك الله في هذا الغلام فوُلد له سبعة أبناء، كلهم قد ختم القرآن، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتصر دور أم سليم على القيام بالحقوق الزوجية بل كانت أم سليم امرأة مجاهدة في سبيل الله تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتروي الماء وتسقي المجاهدين ... قال أنس : لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمي أم سليم يوم أحد، وإنهما لمشمرتان تَنْقُزَانِ، القِرَبَ على متونهما، تفرغانها في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. وحضرت أم سليم رضي الله عنها غزوة حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قد اخذت خنجرا وربطته في وسطها حتى تعجب منها الرجال، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر ! فقالت: يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورأنسا وأمه في بيتهم، فتصنع له الطعام وتقدمه له، وتسقيه الماء من قربة معلقة في بيتها. كان ربما ينام عندهم أحيانا. وكان إذا جاءهم يداعب اطفالهم ويؤانسهم، ومن ذلك أنه كان لأم سليم ابنا يكنى أبا عمير، فزارهم النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فرأى الطفل مكدَّر الخاطر، فقال: مالي أرى أبا عمير خاثر النفس؟ قالت أمه: كان له عصفور صغير يلعب به فمات. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأس الغلام ويقول: " يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ". وجاءهم النبي صلى الله عليه وسلم مرة، فأتته أم سليم بسمن وتمر. فقال: إني صائم. ثم قام، فصلى في بيتها، ودعا لها ولأهل بيتها بخير. فقالت له أم سليم: إن لي خويصة – يعني طلبا خاصا- قال: " ما هي " ؟ قالت: خادمك أنس، - يعني أدع لأنس- فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا له به. ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندهم فبعثت أنسا بمكتل من رطب يلحق به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيتا غير بيت أم سليم. فسئل عن سبب ذلك فقال: " إني أرحمها، قتل أخوها معي ". وأخوها، هو حرام بن ملحان، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع جماعة من قراء الصحابه يدعون قوما من الأعراب إلى الإسلام، فانطلقوا حتى نزلوا على ماء يسمى الرجيع، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيْل، فلم ينظر في الكتاب، وأمر رجلاً فطعن حرام بن ملحان بالحربة من خلفه حتى خرجت من صدره، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال حرام : الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة . إن هذه المرأة العصامية التي آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وتمثلت الإسلام عبادة وعملا وسلوكا وأخلاقا، فصارت نموذجا للمرأة المسلمة العاملة، فاستحقت البشارة بالجنة وهي لاتزال على الأرض، فقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فقال: " دخلت الجنة، فسمعت خشفة بين يدى ; فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان- يعني أم سليم-."أخرجه مسلم. ولنا مع سيرة هذه المرأة العصامية ثمان وقفات: الأولى: أن للحق نورا، فإذا عرض الحق على العبد وجب عليه أن يقبله وإلا كان من المتكبرين. فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الكبر بطر الحق وغمط الناس) رواه مسلم فأم سليم لما سمعت الدعوة إلى الإسلام قبلته واعتنقته، وكذلك أبو طلحة لما دُعي إلى الإسلام قبل وأسلم. الثانية: أن العمل للدين مسؤلية الجميع، كل بما يستطيعه، فأم سليم جعلت مهرها الإسلام مع فقرها وحاجتها للمال هي وأولادها اليتامى، في حين أنها لو أرادت الدنيا لوجدتها، خاصة وأن أبا طلحة كان رجلا غنيا من أثرياء المدينة، وهو مع هذا راغب في نكاحها. ثم إنها قدمت ولدها وفلذة كبدها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه ويتعلم منه، وشاركت في الجهاد والدفاع عن حياض الدين بما تستطيعه من جهد يناسب طبيعتها. الثالثة: وجوب الصبر على المصائب والأقدار المؤلمة رغبة في الأجر والثواب من الله، قال الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{157} فقد صبرت أم سليم على موت زوجها ثم على موت ابنها، فلم تبد جزعا ولا اعتراضا، وإنما تسليم لله في قضائه وقدره. الرابعة: أن الدنيا مزرعة الآخرة، فمن خرج من الدنيا ولم يسخرها فيما يرفع درجته في الآخرة فهو المغبون. فأبو طلحة تصدق ببيرحاء وهي أحب ماله إليه رجاء الثواب والبر من الله تعالى، وأم سليم تركت ماتتمناه كل امرأة عند واجها من اللباس والمتاع والزينة، فلم تطلب من ذلك شيئا، واكتفت بدخول أبي طلحة في الإسلام مهرا. الخامسة: وجوب إحسان العشرة بين الزوجين، فيراعي كل منهما حق صاحبه، فأم سليم لم تشأ أن تكدر على أبي طلحة ليله بخبر وفاة ابنه، وهو لما علم عند الصباح بموته لم يعنفها لتأخرها عن إخباره، وهكذا تكون العشرة. السادسة: أن قدر الإنسان بما يحمل من هم، وأعظم هم يجب حمله هو هم الدين ونشر الخير، قال الله تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{104} لذا لابد للمسلم من المشاركة في الدعوة إلى الله بحسب استطاعته، فمن وهبه الله علما فليدعو بعلمه، وصاحب القلم بقلمه، وصاحب المال بماله، وصاحب القوة ببدنه وجهده، المهم ألا تكون متكاسلا أو متوانيا. السابعة: أن منزلة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة تكون على قدر عطائه لدينه، فأم سليم منذ إسلامها وهي عاملة لدين الله في السلم والحرب، في بيتها وخارج بيتها، مع زوجها وأولادها، فنالت بذلك شرف الدنيا، أن يخصها رسول الله وأهل بيتها بزيارته وطعامه عندهم، ودعائه لهم، ثم أعظم منها بشارته لها بدخول الجنة في الآخرة. الثامنة: أن الأولاد نعمة من الله على العبد، وواجب كل نعمة الشكرعليها، وشكر نعمة الولد يكون بتربيته على الحق، وتعبيده لله ، وتعليمه فرائض الدين، فأم سليم قامت بحق ولدها أنسا، فجعلته عند رسول الله يخدمه ويتعلم منه، وطلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة أن يدعو له، إضافة إلى رعايتها له والقيام بحقه، وهي بهذا تكون قد بذلت جهدها في تربيته التربية الإسلامية الصحيحة. أخي: تلك امرأة ضعيفة سطرت سيرة عطرة وتاريخا مجيدا من العمل للدين، في نفسها، وفي بيتها، ومع زوجها، وفي أولادها، فصارت أنموذجا للمسلم الحق، الذي يعمل بدينه ويعتز به، ويدعو إليه ويدافع عنه، فرضي الله عن تلك الأسرة المباركة اسرة أبي طلحة الأنصاري. أخي المسلم: لنسأل أنفسنا: مانصيب ديننا من أوقاتنا وجهدنا، كم أنفقنا من المال في الدعوة إليه والذب عنه، ثم مامقدار مابذلنا في تربية أولادنا، هل أدبناهم على الإسلام وربيناهم على الطاعة، هل أمرناهم بالصلاة وفرائض الدين، هل منعنا عنهم المحرمات، هل رددناهم عن المنكرات. أخشى أن نطلع من أنفسنا على حقيقة مرة غائبة، هي أن هم الدين يقبع في آخر اهتماماتنا، وأننا أهملنا أولادنا فلم نأمرهم بمعروف ولم ننهاهم عن منكر. اللهم ارحم ضعفنا وتجاوز عن تقصيرنا. اللهم أعنا على طاعتك يارب العالمين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...
|
06-30-2014, 05:08 PM | #2 | |
:: الإدارة ::
|
جزاكــ الله كل خيرـر
وجعل طرحكــ فى ميزانـ الحسناتــــــــــــــ بوركت وبوركت الانامل فى انتظار جديدكــــ تحياتى |
|
|
06-30-2014, 05:39 PM | #3 | |
الاداره
|
جزاكى الله خيرا
ربى يجعله بميزان حسناتك |
|
|
07-01-2014, 04:53 AM | #4 | |
عضو مهم
|
دمتى بهذا التميز بطرحكِ لمواضيعكِ ودمتى بحفظ الرحمن ورعايته تقبلى مروري مع خالص تقديري واحترامي |
|
|
07-01-2014, 06:13 AM | #5 | |
حبيب فضى
|
بارك الله فيك وجعله فى ميزان حسناتك
دمت بخير |
|
|
07-01-2014, 02:41 PM | #6 | |
الاداره
|
جزاكى الله خيراً
ربى يجعله بميزان حسناتك |
|
|
07-01-2014, 03:12 PM | #7 | |
حبيب فضى
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|