#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الفراشة الصغيرة
الفراشة الصغيرة لم تتخيل الفراشة الصغيرة أنها ستبتعد عن منزلها هذه المسافة ... همست لصاحبتها ، يجب أن نعود ، أمي نبهتني ألا نخرج من المزرعة .. تعالت ضحكات الرفيقة : جبانة ، اعلم انك جبانة .. هيا .. تعالي سأريكِ زهرة عذبة العطر حاولت ألا تستجيب لنداء رفيقتها لكنها لا تحب أن يقال عنها جبانة ، انطلقت مع رفيقتها حتى وصلتا لزهرة تفوح منها رائحة طيبة .. تمايلت الفراشة إعجابا برائحة الزهرة ، وتلك الألوان الجميلة التي تزين صفحاتها ، نعم يبدو عسلها طيب الطعم .. نظرت الفراشتان لبعضهما وانطلقتا كصاروخ موجه لقلب النبتة ، وانغمستا بين ثناياها تلتهمان قطع العسل المتناثرة بين زوايا حبيبات الطلع بنهم وشره ... نسيت الفراشة الصغيرة نصيحة أمها : إياك الابتعاد عن حدود المنزل ، إياك الاقتراب مما لا تعرفين أصله .. نسيت كل شئ إلا طعم حبيبات العسل .. بينما استغرقتا بالتهام طعامهما المفضل سادت السماء ظلمة غريبة .. رفعت الفراشة الصغيرة رأسها بعد أن انبئتها قرون الاستشعار بخطر قريب ، ورأت الكارثة .. أوراق الزهرة ترتفع بهدوء ، هدوء شديد في محاولة لضم فراشتان حسناوان اكتشفتا انهما ضحية فخ نصبته الزهرة لهما لتكونا وليمة دسمة لمعدة جائعة !! حاولتا التملص لكن الأوراق تضيّق الخناق عليهما حتى بات الموت وشيكا .. بدأ الاستسلام يدب فيهما إلى أن مُدّت ورقة صغيرة في قلب الزهرة تمسكتا بها جيدا لتنقلهما لجانب بعيد عن الخطر .. بتعب نظرت الفراشة الصغيرة لمنقذها ، كانت أمها ، ابتسمت بتعب شاكرة ، كان آخر ما سمعته من أمها : خبرتني جاراتي الفراشات أنكما ذهبتما باتجاه آكلة الحشرات ، فلحقتكما .. باتت تستسلم للنوم ولسانها يردد بثقل : أخر مرة يا أمي .. آخر مرة هل يكفي الحظ كان لأحد القرويين ولدان اسم الكبير سالم واسم الصغير سويلم أنشأهما على عادة أهل القرى من حب الأرض وخدمتها بشؤون الفلاحة فلما توفي خلف لهما أرضا طويلة عريضة فقسماها بينهما وشرعا يزرعان ويعيش كل منهما على نتاج أرضه كما يعيش أهل قريتهما . ومرت ثلاثة أعوام كانت أرض سالم خلالها تخصب وتعطي بكل قنطار من البذار ثلاثين قنطارا أما أرض سويلم فكانت تجدب لا تعطي من البذار الا القليل القليل فراح سويلم إلى أخيه سالم وطالبه بإعادة القسمة وكان سالم طيب القلب فأجابه لما طلب وخيره في الأرض فاختار أرض سالم وتبادلا ومرت ثلاث سنوات أخرى وزرع سالم يمرع ويخصب ويعطي بكل قنطار خمسين قنطارا وزرع سويلم لا يكاد يجمع بذاره فتحير سويلم من هذا واغتاظ ورجع إلى أخيه يطالبه في إعادة النظر في قسمة الأرض وكان سالم طيب القلب فقال له:اسمع ياأخي سأجعل البذار هذا العام من غلتي وأحرث أنا الأرض جميعها ثم أترك لك الخيار في أخذ أي النصفين بعد أسبوع من نبت الزرع على شرط أن لا تأكل من زرعي ولا آكل من زرعك فرضي سويلم بهذا الاقتراح وتم تنفيذه كما اتفقا. وبعد مدة برز الزرع وحان موعد القسمة فبدا لسويلم أ نيقسم الأرض بالطول حتى يأخذ نصف ما كان له ونصف ما كا ن لأخيه واطمأن باله لذلك فلما رجع للأرض بعد أربعة أشهر وجد قمحه لا يبلغ طول شبر وقمح أخيه يزيد على مترين فعجب أشد العجب وتبلد ذهنه وضاقت الدنيا في عينه فمشى في زرع أخيه ناسيا ما اتفقا عليه ومد يده ليقطف سنبلة قمح وفجأة امتدت يد لتمنعه من ذلك . دهش سويلم ونظر فوجد فارسا يشبه أخاه أشد الشبه ولكنه يبدو كالشبح فسأله: - من أنت حتى تمنعني مال أخي ؟ قال الفارس الشبح: أذكر اتفاقكما على أن لا تمس زرعه واحترمه أنا أمنعك لأني حظ أخيك . فقال سويلم : وأين حظي أنا ؟ - حظك نائم في مغارة كذا من أرض كذا على مسيرة شهر من هنا . قال سويلم : من أجل هذا أتعثر دائما ولا ينجح لي عمل او مسعى لأن حظي نائم. سأذهب لأوقظه. رجع سويلم إلى بيته فتجهز لسفر طويل وأخذ معه زادا يكفيه لشهر وركب حماره ومضى في لهفة وسار سويلم في طريقه يقطع البراري والقفاز وفجأة رأي أسدا مريضا فسأله الأسد عن غايته فأجاب : أفتش عن حظي قال الأسد : اذا لقيت حظك فسله ما دواء الأسد المريض في موضع كذا؟ فأجاب سويلم : حبا وكرامة . ثم تابع سيره وفي اليوم الخامس أقبل على أرض زراعية يحرثها حراث فطرح على الحراث السلام ولكن الحراث انتهره صارخا: - ما أبلغ شؤمك يارجل لقد ارتطمت سكة المحراث فانكسرت . ثم بدا للحراث أنه قسا على الرجل الغريب وقال في نفسه طالما انكسرت لي سكة في هذه الأرض قبل اليوم فما ذنب هذا الرجل ثم أقبل عليه يعتذرويلاطفه ويسأله هن غايته فأخبره سويلم بأنه يفتش عن حظه فقال الحراث: إذا لقيت حظك فأخبره عن الحراث في موضع كذا ترتطم سكته فتنكسر عله يجد السبب . أجاب سويلم:حبا وكرامة . ثم سار سويلم عشرة أيام فرأى أمرا عجيبا !!رأى احدى وأربعين حمامة بيضاء كالثلج تطير متجهة الى بركة ماء كبيرة فلما وردت الحمامات الماء عادت سودا كالغربان ..فعجب من ذلك وأسر ذلك في نفسه وقال لأسألن حظي عن هذا المنظر العجيب وبعد اسبوع نفق حماره ومات فحمل خرجه مع فضول زاده على كتفه وسار أسبوعا آخر فإذا هو أمام مغارة مخيفة بين الصخور فقال لعلها غايتي ولعلي أرى حظي فيها دخل سويلم المغارة فوجد رجلا على صورته نائما كأنه شبحا فعلم أنه حظه فرفع عصاه وضربه بها قائلا: - أنا أشقى وأنت تغط في نومك انهض وتحرك . فنهض الشبح وسار مسرعا ينهب الأرض فاستوقفه سويلم قائلا: قف أسألك عن مسائل حصلت في طريقي. قال: أنت تسأل وأنا أجيب . قال : فما بال الحمام ينزل إلى البركة أبيض اللون ويخرج أسود الغربان ؟ قال حظ سويلم : هذا حمام مسحور في بركة مسحورة وزوال السحر يكون بأن ينزل الحمام الماء عند تمام زوال الشمس عن كبد السماء ثم إن سويلم سأل حظه عن أمور أخرى فأجابه. سار سويلم وراء حظه ولكن سرعان ما غاب حظه عن عينيه وبعد مسيرة أسبوعين وصل البركة المسحورة وأقبل الحمام أبيض كالثلج ليرد الماء فهجهج به سويلم يطرده ويمنعه عن ورود الماء والنزول به وكلما حاول الحمام وحام حول الماء ليزل فيه هجهج به سويلم وطرده ومنعه من النزول وظل هكذا حتى انتصف النهار وزالت الشمس عن كبد السماء فابتعد سويلم وغطس الحمام لشدة العطش فحدث صوت عظيم ودوي هائل ذهل سويلم وارتعب وغطى بصره وأذنيه لبضع دقائق فلما رفع يديه عن عينيه وجد لدهشته البركة قد تحولت إلى أرض خضراء فسيحة تظللها أشجار وتخترقها غدران وأنهار وفيها من جميع ما تنبت الأرض من خضر متنوعة وفاكهة دانية القطاف ثم أقبلت على سويلم صبية كأن وجهها فلقة قمر وهي في نضرة الزهر وميعة الصبا تتمايس وتتمايل نشوى بخمر صباها وجمالها ومن خلفها أربعون وصيفة من أجمل الوصفيات. أقبلت الفتاة الأميرة على سويلم تشكره على تخليصه إياها ووصيفاتها من السحر ثم قالت له: ما رأيك أن تعيش معنا في هذا النعيم المقيم والجنة الوارفة نتزوج وتصبح ملك البلاد.. ولكن سويلم رفض هذا الأقتراح وقال أنه يريد أن يدرك حظه الذي كان نائما فتحرك.. قالت الفتاة بمنطق عذب وصوت رقيق: أليس هذا من حسن حظك وصعود جدك ؟!إنك أنجيتنا وخلصتنا من السحر فوجب حقك علينا وانت أولى الناس بنا وسأكون زوجتك المخلصة وهذه الوصائف التي كأنها غافلت رضوان وفرت من الجنان جواريك وملك يمينك وانت هنا في جنة لا تجوع فيها ولا تعرى ملك ونحن كلنا جواريك ، نرعى راحتك ونتوفر على خدمتك لنحقق لك عيشا رخيا وبالا هنيا وحياة ناعمة و سعادة دائمة . . ولكن سويلم رفض كل ذلك بعناد ولكلما توسلت اليه الاميرة والحت بالرجاء كلما رفض باصرار وقد عزم على متابعة حظه! واغتاضت الفتيات وهممن بقتله ولكنهن كرهن ان يقتلن من احسن اليهن فتركنه غير اسفات . وسار سويلم و ابتعد عنهن وبعد ايام اشرف على الحراث فوجده يأكل فسلم عليه ودعاه ليأكل فجلس وأكل معه , وسأله الحراث : هل وجدت حظك ؟ قال : نعم قال الحراث : وهل سألته عن حالي ؟ - نعم - فماذا اخبرك ؟ - قال لي : قل للحراث ليحفر حيث ترتطم سكته حفرة كبيرة قال الحراث : الله اكبر ! قم بنا نحفر فقد والله ارتطمت سكتي قبل قليل فتركتها حيث هي وجئت لأتناول فطوري . فنهض الحراث فتبعه سويلم فحفر حيث سكته فنكشفت الأرض عن بلاطة فيها حلقة فتعاونا على رفعها ولدهشتهما الكبرى ضهر سرداب فنزلا اليه بدرج وسارا فيه وفجئة انبعث منه نور مشع من كل جانب وبين الدهشه والخوف والحذر واصل سويلم والحراث مسيرهما وما هي الا خطوات حتى بدا لهما شعاع الذهب وبريق الجواهر . وهجم الحراث على الذهب و الجواهر يمسكها ويتركها ويقفز في فرح و مرح يشبهان الجنون فلما سكنت نفسه وهدء خاطره واطمأن قلبه الى ان كل ما يرى ويلمس هو حقيقة راهنة لا ريب فيها ،التفت الى سويلم فأحتضنه وعانقه ثم قال له: لك نصفه ولي النصف الاخر . قال سويلم : لا اقبل . قال الحراث : لك ثلاثة ارباعه ولي الربع ، ان ربع هذا يكفي عيشا هنيا و رخيا الى ولد الولد . قال ســويلم : لا اقبل . قال الحراث: فخذ منه ما تشاء ، واترك لي ما يطيب عنه خاطرك , وسأقاسمك غيره ، فاني اعرف أكثر من خمسة عشر موضوعا في هذه الارض ارتطمت فيها سكتي في هذه القرى التي احرث فيها . قال سويلم : لا أقبل تعجب الحراث فقال : ماذا تريد اذا ؟ قال سويلم :اريد ان تتركني ان الحق حظي فانه تحرك . قال الحراث : نعم ، لقد تحرك حظك حركه عظيمة ، فجاءك بهذا المال الذي لو كان من حظ مدينة عظيمة لوجدته كبيرا . قال سويلم دون تفكير : دعني . فاني اريد ان الحق بحظي . لم يصدق الحراث ما سمع من سويلم ، و حسب انه سيشي به و يجمع الناس عليه ، وهم بقتله ولكنه لم يرد ان يقتل من جلب له كل هذا المال ، فأخذ ما قدر على حمله و أعاد البلاطه الى موضعها ، وهو يعجب من امر هذا الرجل الذي يرفض كل الثراء العظيم ، وتعف نفسه عن هذه الكنوز الهائله و يمشي ليلحق بحظه !! وسار سويلم ، وظل سائرا عدة ايام ، فوفد على الأسد المريض فتلقاه الأسد مرحبا ، و ســأله عن قصته فحكى له كل الذي جرى من ساعه تركه الى ان راى حظه ، ثم ما كان من أمر الحمام و أمره مع الحراث . قال الأسد : - وهل سألته عن دواء لمرضي ؟ قال سويلم : - نعم لقد قال حظي : ان شفاءك أن تأكل دماغ رجل أحمق . قال الأسد مسرورا : لقد كان لك حظ اضعته بحمقك ، وأعطيت لك فرصتان أضعتهما بخرقك ، ولقد نجوت من الموت مرتين حين كان حظك أمامك ، و ما اراه الا قد تخلف عنك الان و عاد الى مغارته ، و رجع الى نومه ، ولعمري ما وجدت على ظهر الأرض أحمق منك . فحيا الله صباحا قذف بك الي لتكون دوائي و شفائي . وقام الأسد و ضرب سويلم ضربة صرعته لتوه ، و ثنى بأخرى على جمجمته ، فستخرج دماغه و أكله . النهاية
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|