#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شهر رجب. وما فيه من أحداث
شهد شهر رجب أحداثا كبيرة في التاريخ الإسلامي، ومن تلك الأحداث: سرية عبد الله بن جحش: وقعت في رجب من السنة الثانية من الهجرة حيث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عبد الله بن جحش) في رهط من المهاجرين، وكتب له كتابا، وأمره ألا ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره. فإذا نظر فيه، ووعى ما كلّفه الرسول صلى الله عليه وسلم به مضى في تنفيذه غير مستكره أحدا من أصحابه، فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: امض حتى تنزل (نخلة) بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا، وتعلّم لنا من أخبارهم. فقال عبد الله: سمعا وطاعة، وأطلع أصحابه على كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلا: إنه نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة، ويرغب فيها، فلينطلق معي، ومن كره ذلك فليرجع.. فلم يتخلّف منهم أحد، غير أنّ البعير الذي كان يعتقبه (سعد بن أبي وقاص) و(عتبة بن غزوان)، ندّ منهما، فشغلا بطلبه، ومضى عبد الله برفاقه حتى نزل أرض (نخلة)، فمرّت عير قريش، فهاجمها عبد الله ومن معه، فقتل في هذه المعركة (عمرو بن الحضرمي)، وأسر اثنان من المشركين، وعاد عبد الله بن جحش بالقافلة والأسيرين إلى المدينة. ويظهر أن هذا القتال وقع في اخر رجب، أي في الشهر الحرام. فلمّا قدمت السرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أمرتكم بقتال في الشّهر الحرام»، ووقف التصرف في العير والأسيرين. ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسما هذه الأقاويل ومؤيدا مسلك عبد الله تجاه المشركين: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}... [البقرة : 217]. إنّ الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين لا مساغ لها، فإنّ الحرمات المقدسة قد انتهكت كلّها في محاربة الإسلام، واضطهاد أهله! فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها معرّة وشناعة؟. ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرّر قتل نبيّهم، وسلب أموالهم؟. لكنّ بعض الناس يرفع القوانين إلى السماء عند ما تكون في مصلحته. فإذا رأى هذه المصلحة مهددة بما ينتقضها هدم القوانين والدساتير جميعا. فالقانون المرعي- عنده في الحقيقة- هو مقتضيات هذه المصلحة الخاصة فحسب. وقد أوضح الله عز وجلّ أنّ المشركين لن يحجزهم شهر حرام أو بلد حرام عن المضي في خطتهم الأصيلة، وهي سحق المسلمين؛ حتى لا تقوم لدينهم قائمة فقال: {وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا}... [البقرة : 217]. ثم حذّر المسلمين من الهزيمة أمام هذه القوى الباغية والتفريط في الإيمان الذي شرّفهم الله به، وناط سعادتهم في الدنيا والاخرة بالبقاء عليه فقال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}... [البقرة : 217]. وزكّى القران عمل (عبد الله) وصحبه، فقد نفّذوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بأمانة وشجاعة، وتوغّلوا في أرض العدو مسافات شاسعة، متعرضين للقتل في سبيل الله، متطوعين لذلك من غير مكره أو محرج. فكيف يجزون على هذا بالتقريع والتخويف؟ قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}... [البقرة : 218] . والقران الذي نزل في فعال هذه السرية لم يدع مجالا للهوادة مع المشركين المعتدين؛ مما كان له أثره البعيد لدى المسلمين وخصومهم. فبعد أن كان أغلب المكتتبين في السرايا السابقة من المهاجرين، أخذت البعوث الخارجة تتألّف من المهاجرين والأنصار معا. وزاد الشعور بأنّ الكفاح المرتقب قد يطول مداه، وتكثر تبعاته، ولكنّه كفاح مستحبّ، مقرون بالخير العاجل والاجل. وأدركت مكة أنها مؤاخذة بما جدّ أو يجدّ من سيئاتها، وأنّ تجارتها مع الشام أمست تحت رحمة المسلمين. وهكذا اتسعت الهوة، وزادت بين الفريقين الجفوة. وكأن هذه الأحداث الشداد هي المقدمة لما أعدّه القدر بعد شهر واحد من وقوعها، عندما جمع رجالات مكة وخيرة أهل المدينة على موعد غير منظور في (بدر) .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|