رمضان دورة تدريبية للمؤمنين

الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر القحطاني

رمضان دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن
يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام،
ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر
والتحمّل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم
ويسمع الأغاني؟! ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن
الحلال ويفطروا بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة
الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم، وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة
التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل
الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة،
هذا هو الذي قَبلَ الله صيامه، حيث يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان·

وهذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ }
البقرة 183 – 184· وهذه الفريضة قد فرضها الله عزَّ وجلَّ على
سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بُعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض
عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه
الأمة؛ لأن الله يقول: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } المائدة: 48· فكان من ضمن صومهم الكلام، فيمسكون عن الطعام
والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه؛ ولهذا قالت مريم لما
قابلها قومها: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ
إِنسِيًّا } مريم: 26· فالصوم فريضة
عظيمة·