#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اسم الله المنان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. من أسماء الله الحسنى: ( المنان): أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في اسم "المنان". الدعوة إلى الله فرض عين على كل مؤمن: الآية الدقيقة جداً التي تبين منهج الدعوة إلى الله، وفيها اسم "المنان"، أو فيها فعل يشير إلى ذات الله، وإلى صفته المنة هي قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ( سورة آل عمران ) الحقيقة أيها الأخوة، هذه الآية منهج للدعاة إلى الله، لأن الله سبحانه وتعالى خاطب النبي فقال: ﴿ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾ ( سورة الأحزاب ) وقد يغيب عن الأخوة الأكارم أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مؤمن. أحد أركان النجاة من عذاب الله التواصي بالحق: الدعوة إلى الله فرض عين على كل مؤمن وقد يعجب أحدكم من هذه الحقيقة، فرض عين لأن الله سبحانه وتعالى حينما قال: ﴿ وَالْعَصْرِ﴾ ( سورة العصر ) وقد أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول، الذي هو في حقيقته زمن، قال: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ( سورة العصر ) جواب القسم خاسر لا محالة، لأن مضي الزمن يستهلكه، لأن الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. ﴿ إِلَّا ﴾ ( سورة العصر ) رحمة الله في إلا، لا يخسر. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ ( سورة العصر ) التواصي بالحق هو الدعوة إلى الله، أحد أركان النجاة، لا تنجو إلا إذا بحثت عن الحقيقة، إلا إذا آمنت بالله، آمنت بالمنهج الذي جاء النبي به، ثم عملت وفقه، عملت وفق هذا المنهج، ثم دعوت إلى هذا المنهج، وصبرت على البحث عنه، والعمل به، والدعوة إليه، هذا كلام خالق الأكوان. من لم يطلب العلم و يؤمن بالله خاسر لا محالة: أيها الإنسان يقسم الله لك إنك خاسر، إن لم تطلب العلم، وتؤمن بالله، وتبحث عن منهجه، ثم تتحرك وفق هذا المنهج، ثم تدعو إلى هذا المنهج، وتصبر على البحث والعمل والدعوة، هذا الدليل الأول على أن الدعوة إلى الله فرض عين. إنسان قد لا يخطر في باله إطلاقاً أنني لابدّ من أن أدعو إلى الله، ولكن لئلا يثقل الأمر عليكم الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، لست مكلفاً أن تقوم بدعوة عامة، ولست مكلفاً أن تتبحر في العلم، ولا أن تتعمق به، ولا أن تتفرغ له، التعمق، والتبحر، والتفرغ فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، هذا المعنى يغطيه الآية الكريمة: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ ( سورة آل عمران الآية: 104 ) من للتبعيض. الله عز وجل ما كلف الإنسان فوق ما يطيق و إنما في حدود ما يعرف: أما حينما يقول الله عز وجل: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ فرقنا بين دعوة هي فرض عين، ودعوة هي فرض كفاية، التبحر، والتعمق، والتفرغ، والقدرة على الردّ على كل الشبهات، هذه دعوة هي فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، أما أن تبلغ عن النبي ولو آية، أي استمعت إلى خطبة، تأثرت بها تأثراً كبيراً، انقل شيئاً منها إلى من حولك، إلى زملائك، إلى أصدقائك، إلى جيرانك، إلى أهلك، إلى أولادك، إلى أقربائك في سهرة، في ندوة، في نزهة، في لقاء، في اجتماع، لمَ أنت ساكت ؟. (( ما من قوم يقومون من مَجلس لا يَذكرونَ اللهَ فيه إِلا قاموا عن مثلِ جيفة حمارٍ )) [ أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ] أما إذا جلس القوم، وتدارسوا القرآن: (( إِلا حَفَّتْهُم الملائكةُ، وغشيتهم الرحمةُ، ونزلت عليهم السكينةُ، وذكرهم الله فيمن عنده )) [ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ] لذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم، ما كلفك الله فوق ما تطيق، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، وهذا ننطلق به من قول الله عز وجل: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ ( سورة الشعراء ) يخاطب الله سيد الأنبياء والمرسلين ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ ما الحكمة ؟ الحكمة أن القريب ليس بينك وبينه حواجز، أنت مثلاً لا تستطيع أن تقول لإنسان في الطريق تعال احضر هذا الدرس، يخاف منك، لكنك تقول هذا لأخيك، أو لابنك، أو لأخ زوجتك، أو لابن عمك، واثق منك، وأنت واثق منه، حاجز الشك ليس موجوداً بين الأقارب، لذلك ابدأ بالأقارب. العطاء الكبير لا يكون حقيقة إلا لله عز وجل: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ المنّ هو العطاء، كما قلنا: العطاء الثقيل في حجمه، لا أقول إذا أعطيتك مبلغاً بسيطاً، أو خدمة آنية، هذا لا يسمى مناً، أما حينما يمنح للتقريب إنسان بيتاً، ومركبة، وأرضاً، ورأسمال هذا منّ، حلّ له كل مشكلاته في الدنيا، المنّ العطاء الكبير ولا يكون حقيقة إلا لله عز وجل، لا يوجد عطاء يليق بكرم الله ينتهي عند الموت، هذا ليس عطاء. يا بني ما خير بعده النار بخير، مهما بلغ الإنسان، بحجمه المالي، مهما بلغ بمكانته، مهما بلغ في هيمنته، ما دام الموت ينهي كل شيء هذا ليس عطاء، لا يسمى مناً، لأن عطاء الله عز وجل يتناسب مع كرمه، عطاء الله أبدي، فالعطاء الذي ينتهي عند الموت. أي ميت نُشيعه في نعش، بيته الفخم تُرك، مركبته الفارهة تُركت، مكانته، مكتبه، له بيوت أخرى في أماكن جميلة، كل حجمه المالي تُرك في الدنيا، ونزل في القبر وحده، العطاء أي عطاء ؟ الذي يرافقك بعد الموت، من هنا قال الإمام علي رضي الله عنه: الغنى والفقر بعد العرض على الله، إياك أن تسمي زيداً غنياً قبل الموت، أو زيداً راً قبل الموت، الغنى والفقر بعد العرض على الله. عطاء الله الذي يليق بكرمه لا ينتهي عند الموت بل يبدأ بعد الموت: سيدنا موسى، في ملمح دقيق جداً، قال: ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ ( سورة القصص ) ماذا فعل ؟ سقى الفتاتين، هذا هو الخير، لذلك ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه أمام قبر، فقال: (( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم )) [ورد في الأثر] في الدنيا هناك شركات عملاقة، ميزانياتها أكبر من ميزانيات دول، هذا للدنيا وعلى الدنيا كثير، أهم شيء أن عطاء الله الذي يليق بكرمه لا ينتهي عند الموت، بل يبدأ بعد الموت. الفوز العظيم للإنسان يكون بطاعة الله عز وجل: لذلك: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ ( سورة الأحزاب ) إله يقول: فوز عظيم، كنت أقول دائماً: طفل قال لك: أنا معي مبلغ عظيم والده مدرس، جمع مئتي ليرة بالعيد، رآه مبلغاً عظيماً، لو أن إنساناً آخر يعمل في البنتاغون قال: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً أنا أقدره بمئتي مليار دولار، كلمة عظيم نفسها، قالها طفل فقدرناها بمئتي ليرة، وقالها مسؤول كبير في البنتاغون فقدرناها بمئتي مليار، فإذا قالها ملك الملوك، ومالك الملوك: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ ( سورة النساء ) إذاً كلمة عظيم تابعة للقائل، الطفل قدرنا هذه الكلمة بحجم، والموظف الكبير في دولة عملاقة قدرناها بحجم، فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ فالمن العطاء الكبير، العطاء الأبدي الذي لا ينتهي عند الموت، لذلك هذه الدنيا: (( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ )) [ أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ] النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها: الآية الكريمة: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ بشر، يشتهي ما تشتهي، يتمنى ما تتمنى، يحب ما تحب، يكره ما تكره، يغضب مما تغضب منه، يرضى مما ترضى منه، هو بشر، ولولا أنه بشر لما كان قدوة لنا، لو كان النبي ملكاً، أخي أنت ملك، نحن بشر، لا، هو بشر، يشتهي المرأة، يشتهي المال، يشتهي الراحة، يشتهي السلامة، لولا أن النبي بشر، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر. لذلك النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها. الإسلام منهج تفصيلي كامل: إذاً: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ ماذا فعل هذا الرسول ؟ هنا: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ يا ترى أي آيات ؟ الآية: العلامة، الدليل، البرهان، ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ في الأعمّ الأغلب الكونية، لأنه ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب جاء بكلمة مستقلة، إذاً الله عز وجل له آيات كونية، وله آيات تكوينية، يعني عبادة التفكر كأن الناس قد غفلوا عنها، إن الله عز وجل حينما يقول: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ( سورة آل عمران ) والحقيقة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى حينما قال: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ( سورة يونس الآية: 101 ) هذا أمر، الطامة الكبرى أن المسلمين في آخر أيامهم توهموا أن الإسلام عبادة شعائرية ليس غير، يصلي ويصوم ويحج ويؤدي زكاة ماله، مع أن الإسلام منهج تفصيلي كامل. التفكر في آيات الله عز وجل: منهج الإسلام منهج تفصيلي من أين نأخذه ؟ نقول: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب، أي إذا قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ ( سورة الكهف الآية: 29 ) هذه لام الأمر ﴿ فَلْيَكْفُرْ﴾ هل يعقل أن الله يأمرنا أن نكفر ؟ لا، هذا أمر تهديد وهناك أمر إباحة. ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ ( سورة البقرة الآية: 187 ) و أمر ندب: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾ ( سورة النور الآية: 32 ) هذا أمر ندب، و هناك أمر إباحة، وأمر ندب، وأمر تهديد، لكن إذا قال الله عز وجل: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ ( سورة الأنعام الآية: 72 ) هذا أمر يقتضي الوجوب، وأي أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، الآن هذا الأمر: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ( سورة يونس الآية: 101 ) هل نظرنا ما في السماوات والأرض ؟ هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ ( سورة الجمعة ) فحينما غفلنا عن أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وضغطنا الدين كله بأوامر شعائرية فقط ؛ فقد أضعنا جانباً كبيراً جداً من الدين، ألف و ثلاثمئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون ما موقفنا منها ؟ ينبغي أن يكون الموقف منها التفكر ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ الإيمان هو الخلق: ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ ( سورة الجمعة ) كيف نغفل عن قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ ( سورة الأعلى ) يزكيهم، يطهر نفوسهم من الأدران، لا يوجد مؤمن كذاب، لا يوجد مؤمن محتال، لا يوجد مؤمن لا ينجز الوعد، لا يوجد مؤمن لا يقيم العهد، لا يوجد مؤمن يكذب، لا يوجد مؤمن يقسو، الإيمان هو الخلق، فن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ﴿ يُزَكِّيهِمْ﴾ ما لم تتزكَ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ يعني أهّل نفسه للجنة، الصدق، والأمانة، دائماً وأبداً أذكركم بقول سيدنا جعفر لما قال للنجاشي: (( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقة، وأمانته، وعفافه )) [ أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة أم المؤمنين ] إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف. ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ ( سورة يوسف الآية: 32 ) هذا جوهر الدين، الإيمان هو الخلق ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ تسمو نفوسهم، لا في كذب، لا في احتيال، لا في حقد، لا في كبر، لا في استعلاء، لا في قهر لا في ظلم، في إنصاف، في رحمة، في عفو، في تواضع، في إكرام، ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ التزكية ثمن الجنة. الفالح من زكى نفسه وطهرها من أدرانها: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ نحن بمقياس أهل الأرض قد أفلح من جمع ثروة طائلة، بمقياس أهل الأرض قد أفلح من وصل إلى منصب رفيع، بمقياس أهل الأرض قد أفلح من تزوج فتاة رائعة الجمال، بمقياس أهل الأرض قد أفلح من كانت له ذرية ذات شأن كبير ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ الذي زكى نفسه وطهرها من أدرانها، وكل دروس أسماء الله الحسنى من أجل أن تتزكى بها، من أجل أن تشتق هذا الكمال من الله عز وجل، من أجل أن تكون معطياً، مناناً، أن تعطي ما عندك، أن تبني حياتك على العطاء لا على الأخذ. لذلك ما من اسم أيها الأخوة إلا ولك منه نصيب، الله عز وجل منان، هل أنت تعطي أم تأخذ ؟ ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إن كان الذي يسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة، وإن كان يسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا. التزكية ثمن الجنة: لذلك: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾ (( بلِّغُوا عني ولو آية )) [أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] والله أخ من إخوانا الكرام لا يحسن أن يتكلم بكلمة واحدة، اشترى مئة شريط وزعها على أقربائه بالتسلسل، بالتناوب، وسجل، واسترجع الشريط، وأعاره لشخص آخر بعد حين صار عدد كبير من أقربائه في المسجد، هذا دعا إلى الله، ولا يحسن أن يقول كلمة واحدة. ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ زكاهم أي طهرهم، ولن تتزكى النفس إلا باتصالها بالله، اتصالها بالله تزكية، ترحم، وتتواضع، تنصف، تعدل، تسامح، تعفو والذي يلفت النظر في الإنسان أخلاقه العالية، وحينما أراد الله أن يثني على نبيه قال له: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ( سورة القلم ) والإيمان هو الخلق. الجمع بين الكتاب و السنة: الآن: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ( سورة الجمعة الآية: 2 ) هذا المنهج، نحن لو سألنا أنفسنا ما فحوى دعوة الأنبياء ؟ الله عز وجل يقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ ( سورة الأنبياء ) يعني هذه الآية تؤكد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً، عندنا عقيدة، وعندنا سلوك، وعندنا منطلقات نظرية إن صحّ التعبير، وتطبيقات عملية، و عندنا تصورات، و حركات ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ الآن ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ بالكتاب يوجد أحكام كلية وفي السنة يوجد أحكام تفصيلية، الله عز وجل يقول: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ ( سورة البقرة الآية: 110 ) حكم كلي، التفاصيل، نصاب النقدين، الذهب والفضة، نصاب النباتات المزروعات، نصاب الركاز، نصاب الأنعام، النبي فصّل، فالآيات القرآنية فيها أحكام كلية والسنة النبوية فيها أحكام تفصيلية. لذلك لا يمكن إلا أن تجمع بين الكتاب والسنة. (( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ )) [ أخرجه مالك عن مالك بن أنس ] بالكتاب كليات، بالسنة تفصيلات، لذلك ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ الحكمة هنا السنة كما قال العلماء. الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم و براعة بعرض الأفكار: ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ( سورة الجمعة ) الإنسان حينما يسعى لهداية إنسان سعياً حثيثاً، سعياً علمياً، لذلك أنا أقول من دعا إلى الله بمضمون سطحي، بمضمون هزيل، بمضمون متناقض، بمضمون هوائي، بالمنامات، بالكرامات فقط، بالشطحات، بمضمون غير متماسك، بمضمون غيبي، بمضمون غير علمي، بأسلوب غير علمي، بأسلوب غير تربوي، قال: من دعا إلى الله بهذا المضمون وبهذا الأسلوب، يا الله ! لا يعد المدعو عند الله مُبلّغاً بهذه الطريقة، ويقع إثم تفلته على من دعاه بهذه الطريقة. فلذلك الدعوة إلى الله تحتاج علم، ما كل عالم بداعية، لكن كل داعية يجب أن يكون عالماً، الدعوة فيها براعة بعرض الأفكار، بعرض الحقائق. أعظم عطاء على الإطلاق أن يمنّ الله على الإنسان بالهدى: لذلك: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ حينما خاطب النبي الأنصار قال يا معشر الأنصار: (( ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي )) [ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ] وأعظم عطاء على الإطلاق أن يمنّ الله عليك بالهدى. ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ ( سورة آل عمران ) والحمد لله رب العالمين
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|