الحمامة والثعلب ومالك الحزين قصة للاطفال

اتخذت الحمامة عشها في رأس نخلة طويلة ذاهبة في السماء، وكانت كلما باضت وأفرخ البيض وكبر فراخها جاءها ثعلب فوقف في أصل النخلة وصاح عليها وهدّدها إن هي لم تقذف له بفراخها صعد إليها.
فكانت الحمامة تصاب بهلع شديد، فتلقى إليه بفراخها، وهكذا مرة بعد مرة وقد علم الثعلب مواعيد بيضها وإفراخ البيض، فيجيء بعد أن تكبر الفراخ فتقذف بها الحمامة إليه من شدة خوفها فيأكلها ويمضى.
في يوم أقبل مالك الحزين محلقا في السماء ثم حطّ على تلك النخلة، فرأى الحمامة حزينة كئيبة فقال لها:
- مالي أراك كاسفة البال سيئة الحال؟
فقالت له:
- إني قد دُهيت بثعلب، كلما كان لي فراخ جاء يتهددني ويتوعدنى إن لم أطرح إليه فراخي، فأخاف منه وألقيهم إليه.
فقال لها مالك الحزين:
- إذا جاء إليك مرة أخرى فقولي له: لا أطرح إليك فراخى، فإن كنت قادرا فاصعد إلىّ، فإن فعلت طرت عنك ونجوتُ بنفسي.
وفي الموعد المعلوم جاء الثعلب ووقف بأصل النخلة وصاح عاليا:
- أيتها الحمامة.. قد جاء حتفك، وإني صاعد إليك لآكلك، فإن أردت النجاة منى فاقذفي إليَّ بفراخك.
فصاحت الحمامة قائلة له:
- أيها الثعلب.. لن ألقى إليك بفراخى، فإن كنت قادرا فاصعد إلى هنا، فإنك إن فعلت طرت عنك ونجوت بنفسي.
حكّ الثعلب مؤخر رأسه بيده متفكرا، ثم قال لها:
- أيتها الحمامة.. أخبريني من علمك هذا؟
فقالت:
- علمني مالك الحزين.
فانسحب الثعلب يجرجر ذيله الطويل في غيظ، وهو يفكر في أمر مالك الحزين..

* * *

جدّ الثعلب في البحث عن مالك الحزين حتى رآه أخيرًا واقفا على شاطئ النهر، فحيّاه عن بعد، وقال له:
- يا مالك الحزين، إذا أتتك الريح عن يمينك فأين تجعل رأسك؟
قال:
- عن شمالي.
قال:
- فإن أتتك عن شمالك، أين تجعل رأسك؟
- أجعله عن يميني أو خلفي.
فقال الثعلب:
- فإذا أتتك الريح من كل ناحية، فأين تجعل رأسك؟
قال:
- أجعله تحت جناحى.
فقال الثعلب:
- هل يمكنك أن تريني كيف تصنع ذلك، فإنكم يا معشر الطير قد فضَّلكم الله علينا بأشياء كثيرة، تطيرون في الهواء فترون في ساعة واحدة مالا نراه في سنة، وتبلغون إلي الأماكن التي لا نستطيع بلوغها، وتدخلون رؤوسكم تحت أجنحتكم من البرد والريح فهنيئا لكم حقا. فأرني كيف تفعل ذلك، فإني متعجب من ذلك غاية العجب.
سُرَّ مالك الحزين من كلام الثعلب، وأحسَّ بتفوُّقه، وأراد أن يُرى الثعلب ذلك عمليًا، فأدخل رأسه تحت جناحيه، وفي ثانية كان الثعلب قد وثب عليه، وأخذ رأسه بين فكيه..
لما فرغ الثعلب من أكل مالك الحزين نظر إلى ريشه المبعثر علي الأرض وقال:
- يا مسكين.. تصف الحيلة لغيرك وتعجز عنها لنفسك!
( مستوحاة من كليلة ودمنة )