#1
|
||||||||||
|
||||||||||
لست بشر.. لكن قلبي نبض له ••
لماذا أنا مختلفة عن الآخرين؟ كان هذا السؤال يراودني دائماً, عندما أرى زميلاتي بالمدرسة يقعون بالحب ويعيشون فيه بكل أحاسيسهم ومشاعرهم المرهفة, أراقبهم عن بعد من خلف الحائط بدون أن أتمكن من الاقتراب, لم أكن أرغب بمخالفة أوامر والداي والوقوع بالحب من شاب بشري فأنا ساحرة, من عالم آخر, و عائلة غريبة, أعيش بمنزل يبدو عادياً من الخارج بطرازه الأنيق الأبيض, السقف الأزرق المائل, الأبواب الخشبية, تحيط به حديقة خضراء تبعث البهجة بداخل كل من يقع ناظريه عليها, لكن... هذا المنزل مظهره من الداخل يختلف تماماً عن الخارج, هناك حيث تسكن الوحوش اللذان هما والداي في الحقيقة, والدي مصاص دماء بالرغم من ذلك فهو طيب القلب, أما والدتي فهي آكلة للبشر.. ـ لماذا أنا من عالم آخر عن بقية البشر؟.. لماذا أنا ساحرة؟.. أعترف بأنني لست جميلة بذلك الشعر البني الطويل الذي يصل لمنتصف ظهري, وتلك العينان الخضراء كخضرة الأشجار بحديقتنا, بشرتي بيضاء صافية كصفاء الثلج بمنتصف الشتاء.. طوال تلك الفترة, أي منذ انتقلت من عالمي لهذا العالم وجئت لهذه المدرسة, قابلت العديد من الشبان الذين حاولوا التقرب مني لكن كلما اقترب أحدهم أتراجع أكثر حتى يصيبه الضجر وينفر مني, هذا كان الحال مع الجميع, لم يعد لدي أصدقاء, فأنا قليلة الكلام, باردة الأحاسيس, منظري غير جذاب.. نبض قلبي بشدة في أحد الأيام عند مقابلتي لذلك الشاب الأشقر الوسيم ذو العينان الزرقاوات كلون السماء الصافية في الصيف, كان يجلس في المقعد الخلفي لي بالصف, لم أكن أعلم ما إذا كان هذا هو الحب أم أنني مخطئة, كنت أعلم جيداً بأن مصيره الهروب مني كما فعل البقية, لهذا لم أفكر قط بالتحدث إليه, أو التقرب منه, فضلت مراقبته عن بعد كما افعل دائماً, لكن إلى متى سيظل هذا حالي؟! كل يوم أعود للمنزل لأرى والداي يتشاجران بشدة كعادتهما لأتفه الأسباب بدون أن يعيراني أدنى اهتمام, هما لا يعلمان بما اشعر به حقاً, أملهم الوحيد هو أن أتزوج من ساحر مثلي يعيش بالعالم الآخر سواء أكنت أحبه أم لا, هذا قدر كل فتاة مثلي على أية حال.. مع مرور الأيام, لم اعد قادرة على النوم بسبب انشغال تفكيري بأمر ذلك الشاب, عندما أضع رأسي على وسادتي البيضاء وأمسك بطانيتي الصوفية بأناملي أتأمل سقف غرفتي متخيلة ابتسامته الدافئة, نبرة صوته الساحرة, لا أستطيع منع نفسي من الابتسام كلما رأيته, بداخلي أتمنى أن ينظر إلي لكن هذا مستحيل فأنا اعرف مصير من يحبني في النهاية.. صباح اليوم التالي كان الجو يمطر بغزارة, استيقظت على صوت اهتزاز النوافذ بفعل الرياح, أزحت الستائر لأرى ذلك الجو الرائع, تحمست كثيراً للذهاب إلى المدرسة في ذلك اليوم كما لو كانت المرة الأولى التي أرى فيها المطر, بدلت ملابسي مرتديةً الزى المدرسي, رفعت شعري البني بشريط زهري اللون كلون التنوره القصيرة التي ألبسها, حملت حقيبتي البنية مع مظلتي الزرقاء راكضة بحماسة على الدرج, لم أكن أعلم سبب سعادتي فقد كنت أكاد أطير من الفرحة, لكن سوء الحظ كان يرافقني دائماً فقد رأتني والدتي وأنا أسير بسعادة وأدور حول نفسي متوجهةً نحو الباب لأغادر المنزل, وضعت يدها على ذقنها متسائلة عن سبب هذه السعادة الغريبة وبسبب شكوكها اللامعقولة جعلت والدي يلحق بي للمدرسة كي يكتشف الأمر, وصلت للمدرسة مبكراً في ذلك اليوم, ما إن خطت قدمي على ارض الساحة حتى رأيت ذلك الشاب يجلس على ركبتيه في الأرض, مظلته السوداء مفتوحة بجواره ويده على صدره, ركضت باتجاهه مسرعة لأجلس بجواره ممسكة بكتفيه وأنا أتسائل بقلق: ـ ما الذي يحدث لك, سيد إيفل؟ فتح جزءً من عينيه بصعوبة بالغة محركاً شفتاه مخرجاً بضع كلمات لم استطع فهمها فقربت أذني منه لأسمع نبرته المرتجفة حيث قال: ـ أخرجي.. علبة الدواء....من... حقيبـ... فهمت مقصده سريعاً فأخذت حقيبته الواقعة على الأرض لأفتحها وأخرج منها علبة دواء صغيرة, أخرجت حبة منها وأعطيتها إياها ليبتلعها, أخرجت قارورة ماء كنت أحملها معي في الحقيبة وأعطيته لكي يشرب قليلاً, شرب رشفة واحدة, بدأ تنفسه يهدئ شيئاً فشيئاً, ابتسمت له قائلة: ـ كيف تشعر الآن؟! أومأ برأسه إيجاباً وهو يقول مبتسماً بصعوبة: ـ أشعر بتحسن, شكراً لكِ ماري. جعلته يستند بذراعه على كتفي الأيسر لمساعدته على النهوض وسرنا معاً نحو الداخل لكي يرتاح قليلاً, تسارعت نبضات قلبي كثيراً, بدا وكأنه يضرب صدري محاولاً الخروج, كنت سعيدة وأنا أسير بقربه لكن هناك شعور آخر كان ينتابني حيال هذا الأمر, أخذت إيفل إلى غرفة الممرضة وبقيت بجواره كي أطمئن على حالته, لم يلبث طويلاً حتى استسلم للنوم, لم أكن أعلم حينها بأن والدي يراقبني من خلال النافدة بأمر من والدتي, فقد كنت أتأمل إيفل بإعجاب كأنها المرة الأولى التي أراه فيها, لا أعلم كيف حصلت على تلك الشجاعة التي جعلتني أمسك بكفه بكلتا يدي متأملة الشفاء له, فأنا لم أكن اعلم بأنه مريض بالقلب, تساقطت دموعي رغماً عني معبرة عن مدى حزني عليه, تمنيت أن أبقى بجواره للأبد, أشعر بدفء يديه, وبراءة ملامحه, كان والدي يراقب كل ما أفعله فقد قربت كفه من وجنتي لأتحسس نعومتها, حينها عاد مسرعاً للمنزل ليتوجه نحو والدتي التي تجلس بالصالة كعادتها ويقول بتوتر ملحوظ: ـ ماري.. ماري واقعة بحب شاب بشري. وقفت أمي قائلة باستنكار: ـ ماذا؟.. هل تحاول مخالفة الأوامر؟.. إنها تعلم جيداً مصير الشاب البشري الذي تقع في حبه.. عليك أن تتصرف بسرعة, فهمت؟ ـ طبعاً عزيزتي. توقفت الأمطار عن الهطول لتبرز خيوط أشعة الشمس البرتقالية من تشققات الغيوم البنية, كان الجو في غاية الروعة بذلك اليوم, لم أستطع وصف سعادتي عندما فتح إيفل عيناه بهدوء مبتسماً لي, أغرقت عيوني بالدموع, كانت دموع الفرح برؤية وجهه المشرق, للمرة الأولى يحدثني وجهاً لوجه اليوم حيث قال بهدوء كالنسيم: ـ ماري, أشكرك على ما فعلته اليوم. هززت رأسي نفياً محاولة إخفاء خجلي أمامه, أطلق ضحكة خفيفة بسبب إرهاقه الشديد, بعد بضع دقائق ساعدته على النهوض وقمت بمرافقته طوال الطريق حتى غادرنا المدرسة, ما إن وقفت بجوار البوابة الرئيسية حتى التفت إليه وقلت بنبرة مبتهجة: ـ حسناً أراك غداً, سيد إيفل. ـ ألا يمكنني مرافقتك للمنزل؟ أمال برأسه للجهة اليمنى ناطقاً بهذا السؤال الذي أدهشني, حركت رأسي نفياً بسرعة وأنا أقول بارتباك: ـ لا يمكن ذلك, منزلي بعيد من هنا... وداعاً. ركضت مبتعدة عنه عندما أنهيت جملتي الأخيرة, لم أكن أتوقع ذلك.. ما الذي فعلته؟.. لقد نسيت قوانين العائلة تماماً.. ماذا سيحدث لو عرف والداي بذلك؟ تباطأت خطواتي تدريجياً حتى سرت ببطء متابعة طريقي وأنا متفائلة, كنت اشعر بأن والداي لن يعرفا إذا توقفت عن حب إيفل بالتأكيد, لكن وللأسف الشديد ظني لم يكن بمكانه, هبط الظلام عندما شارفت للوصول إلى المنزل وكانت المفاجأة تنتظرني هناك, الظلام الدامس كان يحيط بأرجاء المنزل, أحسست بشعور غريب دفعني للركض مسرعة نحو الباب لأدفعه بقوة كي يرتسم في عيني أبشع منظر مر علي, الشاب الذي نبض قلبي له للمرة الأولى في حياتي ملقى أمام ناظري, الدماء تلطخ جسده لدرجة جعلت قميصه الأبيض يتحول للون الدموي الرهيب, رفعت بؤبؤ عيني قليلاً لأرى والداي يقفان خلف جسده وعلى شفتيهما ابتسامة خبيثة, أنياب والدي ملطختان بدماء إيفل, أما والدتي فقد كانت تضع قدمها على رأسه قائلة بمكر: ـ ما رأيك أن نتناول لحم بشري على العشاء اليوم, ماري؟.. سيكون لذيذاً كما تعلمين فأنتي تحبينه للغاية. ارتسمت كل ألوان الغضب على ملامحي وأنا أرمق والدي بأقسى النظرات التي لم يروها من قبل, تكلمت موجهة كلامي لهما بكل جرأة: ـ كيف تجرؤن على فعل هذا بـ إيفل؟.. كيف تجرؤن؟ أصبحت نبرة صوتي أشد حده وأنا أرمي بحقيبتي راكضة نحوهما, دفعت أمي بقوة لأبعدها عنه بلا وعي, ما إن فعلت ذلك حتى جلست بجانب إيفل واحتضنته نحو صدري لتتلطخ ملابسي بدمائه, انهالت الدموع من عيني بغزارة مع نيران الغضب المشتعلة في عيني, كنت على يقين بأنه قد فارق الحياة, تساقطت دموعي الساخنة على وجنته, لم تختفي براءة ملامحه, ما زال جسده دافئاً كما تركته فقد شعرت بذلك عندما لامست وجنته, أخيراً عاودت النظر إلى الوحشان اللذان يقفان أمامي ولم يحاولا فعل شيء فقد كانا يعلمان بأن الشاب قد انتهى أمره حيث أردفت والدتي قائلة وهي تهز كتفيها: ـ ماري, أنت تعلمين مصير من تقعين في حبه, نحن نحاول حمايتك فقط كي لا يكتشف أحدُ سرنا. ـ أنتم تحاولون حماية أنفسكم فقط, لا تفكرون بمشاعري, لا تشعرون بما يدور بداخلي, تنظرون إلي كما لو كنت طفلة صغيرة.. لكن هذه المرة لن أسكت, سوف أحميكم وأريحكم مني أيضاً. نطقت بتلك الكلمات القاسية أمامها بدون خوف, أما والدي فقد كان يرمقني باستغراب, ما إن أنهيت حتى وقفت على قدمي ممسكة بجسد إيفل, تراجعت خطوات للخلف ببطء فتقدمت والدتي خطوة واحدة لكن صرختي أوقفتها حين قالت بشرارة غضب: ـ لا تقتربوا مني! تسارعت خطواتي حتى وصلت إلى المدفئة المشتعلة, وقفت بجوارها تماماً وعلت شفتي ابتسامة بريئة وأنا أقول لهما: ( إنها النهاية, لن تقلقوا بعد الآن ).. لم أعطهم فرصة أخرى فقد قربت التنوره من النار لتشتعل بالنيران, ركض الاثنان نحوي وهما يصرخان لإيقافي لكن النار كانت أسرع منهما فقد جعلتني أسقط على الأرض وبدأت بالالتهاب أنا وايفل معاً, أغمضت عيني عندما بدأ اللهب يتهمني شيئاً فشيئاً, كنت على يقين بأن هذا سيحدث يوماً, لكن أن أموت مع الشخص الذي أحبه أفضل من العيش تحت سلطة الوحوش, يال سعادتي, لقد تحولت لرماد وأنا أحتضن جسد إيفل الذي لم اسمع حتى كلمة ( أحبك ) منه بعد, لكن يكفي بأن أموت بقربه وأمام الأشخاص الذين كانوا السبب في ذلك, ودعت هذا العالم بابتسامة صافية بدون ذكريات..
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|