#1
|
||||||||
|
||||||||
اختيار البشرية لنفسها بعيدا عن منهج السماء
اختيار البشرية لنفسها بعيدا عن منهج السماء
ولقد تخبطت البشرية العاقلة حين أرادت أن تختار بعقلها أساساً يضبط التعامل فيما بينها، فاندفع فريق وراء شهواته، فظهرت اللذة كأساس العلاقات الإنسانية في بعض المذاهب سافرة واضحة، وفي بعض المذاهب الأخرى مستورة مقنعة. "فأرستبوس" يعتمد عليها اعتماداً لا يمنعه الخجل أن يصرح به في أخس صوره. ويختار "أبيقور" فيما بعد هذا المذهب بعد أن وازن بين اللذات وركز على الأدوم منها والأكثر بقاء. ثم تتطور الفكرة في العصر الحديث لتظهر لنا مغلفة بستر المنقعة سواء أكانت هذه المنفعة منفعة الفرد أو منفعة الجماعة. وهذا الأساس لا يعبر عن الرقي الاجتماعي؛ بل إنه لا يرتفع بالإنسان فوق الأنواع الهابطة، ولا قيد أنملة (1). وهناك بعض العقليات الشابة، والأفكار المتسرعة ترى في أسس المحبة، والمنفعة شاعرية لا نليق بالمجتمع ولا تتلاءم مع قانون الحياة، وترى فيهما وفي أمثالهما نوعاً من الضعف الإنساني، والتخاذل في تحقيق الذات إلى درجة لا يفتأون يعبرون عن استيائهم الشديد منهما؛ وعن خجلهم الذي لا حدود له. وفي هذا المجال ترى الفيلسوف الألماني "نتشه" يمجد القوة وحب الغلبة، ويمقت الضعف والانهزامية، والإنسان لكي يحقق آدميته في هذه الحياة لابد أن يقهر في نفسه أولا عوامل الضعف بحيث يستأصل منها كل معنى يشير إلى الرحمة أو العطف، أو الحثو على الضعفاء والفقراء والمعوزين، إن القوة إذا هي خير ما يحقق للإنسان آدميته، ويحقق له رقيه في هذا الكون الفسيح، والقوة في ذات الوقت متلائمة ومنسجمة مع قانون الانتخاب الطبيعي، وبقاء الأقوى دون سواه. وهذا المنحى قد انتقده أصحاب الرأي والفكر، وثار عليه عقلاء النوع الإنساني، واعتبروه لوناً من الحماسة التي لا صلة لها بالتفكير (1). ويرى أصحاب البصيرة من الناس أنه لا بقاء لشريعة تأسس على اللذة أو المنفعة ولا يصلح منطق القوة أن يؤسس عليه شئ من التشريع أو مبادئ القانون، ولابد أن يحل شئ آخر محل الرحمة لا يعتمد على منطق القوة أو المنفعة. ورأى هؤلاء أنه لا يصلح لهذه المهمة إلا مبدأ العدل. إن العدالة مبدأ سام وشيد عليه وبه قامت السموات والأرض، وهو وحده الذي يصلح لقيادة هذه البشرية بحيث يعد مطلبها السامي، وأساس تشريعها المتين. غير أن العدالة التي ينشدها أهل الرأي والبصيرة، ويتطلع إليها العقلاء والمفكرون لا تعدو أن تكون غاية قبلها وسيلة ، ونهاية لابد لها من طرق وسبل. إننا إذا توصلنا إلى العدالة ربما نكون قد ظفرنا بشئ هام في حياة الفرد والجماعة، غير أن الطريق إلى هذه العدالة يحتاج يحتاج إلى قواعد وتشريعات ويكون أهل الرأي والبصيرة إلى الآن قد وضعوا أمام الإنسانية أملاً يحتاج إلى إيضاح السبيل إليه، والسبيل إليه قواعد وتشريعات، فمن له حق التشريع، ومن يختص بوضع القواعد وإيضاح السبيل إلى العدالة ؟ (2). إن الإنسان في حياته الواقعية يحتاج إلى قانون ينظم سلوكه، وهذا القانون يختلف غاية الاختلاف عن قانون الطبيعة ومبادئ المادة. إن قانون الطبيعة تعبير عما هو كائن، وربط العلل بمعلولاتها والأسباب بمسبباتها. أما القانون الذي ينظم حياة الإنسان لا يعبر عن واقع أو موضوعية، ذلك أن الإنسان يشارك غيره من سائر المخلوقات باعتباره شيئا واقعيا، وطبيعة موجودة تعلن عن نفسها بوصفها شيئا تاريخيا. غير أن الإنسان بطبيعته وواقعه التاريخي ووجوده كشئ وضعي لا يعدو أن يكون شيئاً قليل القيمة جداً بالقياس إلى هذا الكون الرحيب المتسع، ولكن خالقه قد ميزه بشئ يجعله يعادل هذا الكون بل ويتفوق عليه، ذلك أنه قد غرس في طبعه عدم الرضى بواقعه التاريخي وتميز بالثورة المستمرة على وجوده الوضعي، فهو يريد من وقت لآخر تشريعاً يحمله على فعل ما ينبغي أن يكون، ويحفزه لكي يثور على ما هو كائن، ويشعر بالقلق من وجوده حتى يتأتى له أن يغيره، ومن هنا فإن الإنسان يحتاج إلى مجموعة القواعد والقوانين التي ترقى بسلوكه نحو ما سيكون. ولذلك كانت مجموعة التشريعات التي يحتاجها الإنسان لضبط سلوكه، والقوانين التي يحتاجها لضبط حياته تختلف غاية الاختلاف عن قانون المادة وأسبابها التي تعبر عن واقعها المحسوس. وهذا التميز الذي يثبت للقوانين والتشريعات التي تختص بالإنسان يوحي إلينا بشيئين رئيسيين: أحدهما : أن الإنسان هو المخلوق الوحيد في هذا العالم الذي يعتبر همزة الوصل بين ما هو كائن، وبين ما هو مأمول أو مرتقب على درج الرقي والكمال، فالإنسان حين يمارس أشياء إنما يمارسها لكي تتحول إلى شئ واقعي يفعلها ليترقى بشخصيته نحو القمة السامقة، ولكن هذا الفعل قبل أن يخضع للممارسة العملية كان أملاً مرتقباً للإنسان، وعليه فإن الفعل يظل ضمن طائفة الأفعال المرتقبة التي يتعلق الإنسان بها باعتبار أنها شئ لم يكن وينبغي أن يكون حتى يفعلها الإنسان فتتحول إلى شئ واقعي ووضعي، ويتعلق الإنسان بعد تحويل هذا الفعل من شئ لم يكن إلى شئ قد كان بفعل آخر ليس موجوداً ليحوله إلى موجود واقعي، وهكذا يتحول الإنسان بذاته إلى كائن مترفي أو كائن أخلاقي، ويكون هو الكائن الوحيد الذي يتميز بأنه حلقة حلقة الاتصال بين الواقع المشاهد، والمأمول المرتقب. يقول الأستاذ زكريا إبراهيم : [ إن هذا "الكائن الأخلاقي" الذي نسميه بالإنسان هو ـ وحده ـ الذي يحمل "أمانة القيم" صحيح أن الموجود البشري قد لا يمثل سوى كمية مهملة فانية في نطاق العالم، ولكنه مع ذلك أقوى من العالم نفسه ؛ لأنه حامل لمبدأ أسمى، إن نقل بأنه المبدع الحقيقي لذلك "الواقع" الحافل بالدلالة والقيمة؛ ما دام هو الذي ينقل إلى العالم الواقعي تلك "المعاني السامية" التي يأخذ على عاتقة مهمة اكتشافها. وعلى حين أن الطبيعة مضطرة إلى الخضوع لقوانينها الخاصة، نجد أن الإنسان ـ والإنسان وحده ـ هو الموجود الذي يحمل في باطنه قانوناً أسمى، ومن ثم فإنه يستطيع أن يخلق في العالم ـ ابتداء من اللا وجود نفسه ـ "مثلا عليا" كانت بمثابة إمكانيات كامنة في أعماق الوجود وربما كانت المعجزة الكبرى التي تصنعها الأخلاق هي أنها ترد للإنسان كرامته، وتحرك ما فيه من عنصر "سمو" أو "جلال" وتسمو به فوق المستوى الطبيعي البحت ] (1). وثانيهما : أن الإنسان حين يشعر بتميزه في هذا العالم وأن تميزه يرجع إلى مجموعة القوانين التي تضبط سلوكه نحو تحقيق ما ينبغي له أن يفعله يحس من نفسه نشاطاً إلى البحث عمن يضع له هذه القوانين وينظم له تلك القواعد. ولقد كانت هذه المسألة موضع اهتمام الباحثين منذ عصور طويلة خلت وإلى الآن. ولعل هؤلاء الباحثين الذين تناولوا تلك المسألة بشئ من الاهتمام قد أدركوا الفارق بين القانون الطبيعي والقانون الذي ينظم سلوك الإنسان من حيث أن قانون الطبيعة يعبر عن واقع كما قلنا وهو من أجل ذلك كما هو منفذ أن وضعه خالقه، وما على الإنسان العاقل المتطلع إلى المعرفة والعلم إلا أن يبحث عن القانون في مظانه ويحاول أن يكتشفه أو يظفر به. أما القانون الذي يضبط سلوك الإنسان فإنه لا يعبر عن واقع بقدر ما يحمل الإنسان على أن يحقق شيئاً لا وجود له، فإذا وجد تعلق القانون بغيره لكي يحقق للإنسان حركة دائمة نحو السمو والكمال. وهذه الخاصية التي تتوفر لمثل هذا القانون لا تجعله أمراً واقعياً يتمكن الإنسان من اكتشافه ولكن من يتصدى للقانون الإنساني والتشريع البشري لابد أن يتميز بصفات وشمائل يستطيع على أساسها أن يعقد البشرية قواعد تضمن لها الرقي والكمال الدائمين. ومن بين هذه الخواص وتلك الشمائل أن يرتفع المشرع فوق هواه ونوازعه الشخصية وأن يتأبى على المصلحة الذاتية والغرائز الفطرية. ولابد أن يكون المشرع من جهة ثانية قادراً على تصور الحاضر والمستقبل فهو يأخذ من الواقع الذي يراه ويشاهده نقطة ارتكاز الصعود نحو الكمال في حاضر الإنسان ومستقبله، ويكون بصيراً بالحالة الواقعية التي سوف يتحول إليها السلوك البشري الذي هو يراه في الحاضر أمراً مغيباً وكامناً في اللاوجود، ثم يستطيع أو يتصور المرحلة التالية، وهي أكثر عمقاً في اللا وجود ويتصور وجودها في الواقع المحس ثم يتصور المرحلة التي تليها وهكذا. ومعنى ذلك أن المشرع لابد أن يكون ذا بصيرة نافذة نلحظ ما في عمق الغيب انطلاقاً من الواقع المحسوس، وإلى أن يقضي العالم، وينتهي هذا الوجود المؤقت. وليست هذه هي الميزات والشمائل التي يجب أن تتوفر للمشرع فحسب، ولكن لابد أن يكون ذا بصيرة نافذة يعرف بها احتياج الأفراد والجماعات، وقدرة فائقة يستطيع على أساسها أن يوازن بين العواطف والرغبات، بحيث لا يطغى عاطفة على أخرى فيصيب الأفراد بالكبت، والجماعات بالفوضى، أو التسلط والقهر. ثم لابد أن يتوفر في المشرع شئ من القوة بحيث تضمن إخضاع جميع الأفراد والجماعات إلى ما أنتجه عقله من المبادئ والتشريعات فيخضعون لتشريعه خضوع الرضى والتسليم، لا خضوع القهر والعنف، وخضوع القناعة والفهم لا خضوع البغي والقهر. فمن المعروف أن عظمة القانون تكون حين يرعاه الأفراد في السر والعلن، وحين يكون مؤسساً على الانسجام بين ظاهر الفرد وباطنه، أما أن يقوم القانون على الإسكات دون الإقناع، ويعتمد في تنفيذه على القهر دون التسليم والرضى، فإن مثل هذا القانون يحدث زلزالاً قوياً حين يشعر بمنطقة ضعف في القشرة الخارجية والإطار الظاهري الذي أوجدته القوة بالقهر والتسلط، ويسيطر هذا الزلزال على العواطف والمشاعر فيروح المجتمع في فوضى يعجز المشرع، ومنفذ القانون جميعاً عن ضبطه والسيطرة عليه. ومن هنا كنا نجد حتى في القانون الذي يضبط حركات المجتمع اختلافاً شديداً بين جهابذة العلماء حول صفات المشرع ومن توكل إليه هذه المهمة، وما إذا كان المشرع واحداً ممن سيبق عليه القانون، أو لابد أن يكون رجلاً من خارج المجتمع حتى يضمن المجتمع أنه لا ينطلق من أهوائه وعواطفه، وهو يقعد السلوك الناس. ولقد كان [ العرف السائد بين معظم الدول الإغريقية أن تعهد إلى أجانب بوضع قوانينها. كما أن الجمهوريات الحديثة في إيطاليا كثيراً ما اتبعت هذا التقليد. وكذلك جنيف لجأت إلى نفس الطريقة واستفادت منها. وقد شهدت روما في عصرها الذهبي جميع جرائم للطغيان تعود بين ظهرانيها، وكادت تهلك لا لشئ سوى أنها وحدت السلطة التشريعية، وللسلطة السيادية في يد واحدة ] (1). غير أن الملاحظ أن القوانين والتشريعات التي وضعت إلى الآن لم تستحوذ محليا قدر كاف من رضى الناس على طول الزمان وتوالي العصور، وهذا يدل على قصر نظر المشرع، وتأثره ببشريته، وقلة استيعابه لطبائع الناس ووجداناتهم، وتعدد علاقاتهم وتنوعها. ولكن بعض الباحثين قد لاحظ أن القانون، أو التشريع إذا كان له صلة بالسماء اكتسب من هذه الصلة احتراماً وقداسة بمقدار ما له من حجم هذه الصلة. ففي كتاب العقد الاجتماعي : [ إن الشريعة اليهودية ما زالت حية، والشريعة الإسلامية التي حكمت نصف العالم مدى عشرة قرون، ما برحت حتى اليوم تعلن عن عظمة أولئك الذين وضعوها، وقد لا يرى فيهم أولئك الذين أعمتهم الكبرياء الناجمة عن الفلسفة، أو روح التحيز العمياء سوى دجالين حسنى الحظ، ولكن السياسة الحسنة تعجب في أنظمتهم بتلك العبقرية العظيمة القادرة التي تتصدر المنشآت الخالدة ] (1). ولم يتوقف كاتب هذه الصفحات طويلاً عند المقارنة بين الأنظمة التي لها صفة البشرية، والأنظمة التي لها صلة بالسماء، فليس هناك مجال للشك في أن الأنظمة المتصلة بالسماء أدوم وأطول وأقدر على سياسة البشر، وفي حالة من الطمأنينة واستمرار النفس. ويتضح لدى الكاتب السبب الواضح لاستمرارية وصلاحية أنظمة السماء وتفوقها عما عداها من النظم، وهو يعتمد على وضوح هذا السبب حين يقرر أننا في حالة مستمرة إلى السماء لنستلهم منها الوحى الذي يضع القوانين والنظم والتشريعات. ويلخص لنا كتاب العقد الاجتماعي السبب والنتيجة معاً فيقول : [ يتطلب اكتشاف أفضل قواعد المجتمع، التي تتلاءم مع طبيعة الأمم، عقلاً ممتازاً يرى كل أهواء الناس على ألا يتعرض هو نفسه لأي منها، عقل لا صلة له بطبيعتنا البشرية، ولكنه يدرك جذورها؛ وأن تكون سعادته مستقلة عن سعادتنا، ولكنه مع ذلك يهتم بسعادتنا؛ وأخيراً يتطلب الأمر أن يرنو هذا العقل ببصره إلى المستقبل البعيد، وينتظر يوم مجده في عهد لم يأت بعد أي أن يزرع في قرن ويحصد الثمار في قرن آخر. وبعبارة أخرى ، إن الأمر يتطلب آلهة تمنح البشر قوانينها ] (1). وهذه النتيجة التي انتهى إليها الباحث يلحظها الكثيرون من المشتغلين بالتشريع ، والذين يعتبرونه صناعتهم التي يجيدونها فقاموا بالتدليس والادعاء وموهوا على الناس بأن ما أتوا به من آراء وأفكار لا تعدو أن تكون آراء وأفكار السماء، ولكنهم استلهموها منها بوسيلة أو بأخرى يحددها هؤلاء المشرعون بحيث تتفق مع الديانة التي يدين بها الشعب الذي يشرعون له. وهذه صعوبة تعترض التشريع أحياناً، وتقلل من قيمته وجدواه غير أن هذه النسبة المزيفة للسماء سرعان ما تنكشف ويفتضح أمرها. ولكن هناك صعوبة قوية أخرى يثيرها أمامنا كتاب العقد الاجتماعي، وهي كيفية الصلة المستمرة بالسماء ووسيلة الاتصال بالآلهة لحل مشاكلنا التشريعية وقضايانا التي تتعلق بضبط السلوك. ويصوغ الكتاب هذه المعضلة فيقول : [ وهذا العقل السامي الذي يسمو على فهم العامة، هو ما يضع المشرع أحكامه في أفواه الخالدين ليقودوا بوساطة السلطة الإلهية أولئك الذين لا يستطيعون التخلص من عجز البشر الهالكين، ولكن لا يستطيع كل إنسان أن يجعل الآلهة تتكلم، ولا أن يجعل الناس نصدقه عندما يدعى أنه يتحدث باسمها، فروح المشرع العظيمة هي التي يجب أن تكون دليل رسالته. وكل إنسان يستطيع أن ينقش كلمات على حجر ويرشو كاهناً وثنياً، ويدعي اتصالاً سرياً بأحد الآلهة، أو أن يدرب طيراً ليهمس في أذنه، أو يجد وسيلة دنيئة للتمويه على الناس إن من لا يستطيع غير ذلك، قد يكون في وسعه أن يجمع حوله صدافة جماعة من الحمقى؛ ولكنه لن ينشئ إمبراطورية أبداً، وسرعان ما يختفي عمله الجاهل معه ] (2). وهذا الإعضال على ضخامته لا يحتاج منا، أو من الباحثين على وجه العموم إلا إيجاد الضمان، وخلق السياج الذي يحيط التشريع السماوي بما يحفظه من عبث الباحثين، أو المغرضين الذين ينسبون أنفسهم إلى حقل التشريع. والحق أننا نلتمس العذر لمؤلف كتاب : العقد الاجتماعي؛ لأن البيئة، وميدان البحث، ومجال الدراسة، الجميع قد تضافر على خلق جو لا يسمح لصاحب الكتاب أن ينفذ وراء هذه البيئة، وهذا التخصص ليبحث عن سياج يضمن للتشريع السماوي صفاء المصدر الإلهي الذي لم تدنسه يد البشر، وعقوله القاصرة. إن الديانات التي وضعت تحت نظر الباحث إنما هي في أغلب الظن الديانات القديمة واليهودية المشوشة، والإسلام في أقل مظاهره. وأغلب الظن أنه لو اتضح أمام الباحث الأمان والضمان للتشريع الإلهي لما ذهب إلى غيره من مصادر التشريع. والمتصفح للفكر الإسلامي يظهر له بمقارنته لسائر الأديان أنه هو الدين الوحيد الذي احتفظ لنفسه بالنص الإلهي بألفاظه، وحتى طريقة الأداء فيه، وتلك مسألة لا تقبل الشك ولا الجدال، إن الكتاب السماوي إلى الآن ما يزال يحتفظ بنصه ولفظه ولغته وطريقة أدائه، وإن ذلك وعد من المشرع نفسه أن يحفظ الكتاب من أن تمسه يد التبديل والتحريف ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(1). ويلمس بعض المؤرخين للفكر الإسلامي من هذه المسألة في يسر وسهولة كما جاء في كتاب التفكير الفلسفي في الإسلام على نحو مبسط حين يقرر أن القرآن قد وصل إلينا ( بطريق التواتر بحيث لا يمكن الشك مطلقاً في أنه وصل إلينا كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقص ). والمستشرقون ـ رغم تحامل بعضهم على الإسلام ـ لا يجدون مطعناً صحيحاً من تلك الجهة قط، وقد قال المستشرق الفرنسي الأستاذ ديمو مبين بحق في كتابه عن الإسلام : ( إن المنصف لا مناص له من أن يقر بأن القرآن الحاضر هو القرآن الذي كان يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم ) (1). وإذا ثبت أن القرآن هو النص الإلهي الوحيد المعتمد في الأرض ثبت في نفس الوقت أنه هو المبدأ الوحيد الذي ينبغي أن يرتكز عليه جميع المشرعين في الأخلاق إذا أرادوا أن يحتفظوا لنظرياتهم الأخلاقية بالسمة العلمية، وبذلك نكون قد أوجدنا الحلقة المفقودة التي طالما ما بحث عنها في مثابرة كتاب العقد الاجتماعي لكي يعتمد مصدراً أساسياً للتشريع يكون له صلة وثيقة بالسماء بعيداً عن أهواء البشر وتطلعات العقل الإنساني القاصر والمغرض. * * * ============================ (1) انظر الأخلاق في إطار النظرية التطورية ج2 ـ د طه الدسوقي . (1) انظر المرجع السابق. (2) انظر رسالة الشيخ محمد عبده ـ رسالة التوحيد ـ ص 90. (1) المشكلة الأخلاقية ـ ص 28. ) العقد الاجتماعي ـ تأليف لوك ـ هيوم ـ رسو ص 123. (1) نفس المرجع ص 125. (1) العقد الاجتماعي ص 121. 2) العقد الاجتماعي ص 124 ، 125. (1) سورة الحجر آية : 9. (1) التفكير الفلسفي في الإسلام ـ د/ عبد الحليم محمود ج1 ص 46. ===== عقيدتنا
الموضوع الأصلي :
اختيار البشرية لنفسها بعيدا عن منهج السماء
-||-
المصدر :
منتديات حبة حب
-||-
الكاتب :
أسد العرب
|
04-27-2012, 08:24 PM | #2 | |
:: الإدارة ::
|
|
|
|
06-07-2014, 08:30 PM | #3 | |
حبيب فعال
|
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله دمت بحفظ الله ورعايتة |
|
|
06-08-2014, 12:53 AM | #4 | |
مشرفة قسم الأثاث والديكور
|
بارك الله فيك ع الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|