#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أئمة الإسلام سراج للأنام
رفَض أبو حنيفة النعمان منصبَ القضاء، فأمر أبو جعفر المنصور بسجْنِه وجلْده!
• اتَّخذ الشافعي حلقةً له في المسجد الحرام، وفي جامع عمرو أطلق لتلاميذه حريةَ التفكير. • سار أحمد بن حنبل مِن بغداد إلى الشام وصنعاء ومكَّةْ سيرًا على الأقدام. • تمسَّك ابنُ حزْم بالمذهب الظاهِري، ولصراحته تآمَرُوا عليه وأحْرقوا كتُبَه. • دعا ابنُ تيمية أهل الشام لطرْد التتار فطردوهم، وتتلمَذ عليه الإمام محمد بن عبدالوهاب، ومحمَّد بن سعود. ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ مِن سماحة الدِّين الإسلامي الحنيف أنَّه لا يعتبر في النَّسَب للمسلِم أيَّ مكانة أو منزلة، ولا البلد الذي ينتمي المسلم إليه، وإنما المكانة والمنزلة التي يَعتبرُها هي التقوى، ومظهرها الخشية مِن الله، والعمل بمبادئ الدِّين الحنيف؛ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]. التقوى والعمل الصالح يمنحانِ الإنسانَ العلم والمعرفة؛ لذا اختار الله مِن عباده أئمةً وضَع علمَه فيهم، فكانوا القُدوةَ والسراج المنير للعالمين، هؤلاء الأئمة الكِبار هم الذين فسَّروا لنا ما غمُض من الدِّين، ووضعوا الآراءَ السليمة للمسائل الكبيرة، وشرَحوا لنا العقائد والعبادات؛ ليسهلَ علينا معرفة ما ينبغي معرفتُه من العبادات، ومعرفة حدود الله - سبحانه وتعالى. أبو حنيفة.. أفقه أهل الأرض: كان الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان - رضي الله عنه - القدوةَ لمَن جاء بعده من الأئمة والعلماء، وُلِد في الكوفة سَنَةَ ثمانين هجرية، وعاش فيها جُلَّ سنوات عمره بيْن علماء الحديث والفقه، والفلسفة والعقائد، وغيرها، والده كان تاجرَ حرير، فورث عنه مِهنته، ولذِكائه الشديد نجَح في تجارته، ورَبِح الكثير، وكان يُكثِر من قراءة القرآن الكريم وحفظه، حتى إنَّه ختمه في رمضان ستِّين مرة! وحضَر حلقاتِ أحاديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وروايتها وبرَّز فيها، ثم اتَّجه إلى الفِقه، فأخذ من مشايخَ كثيرين، وها هو يقول: "كنت في معدِن العلم والفقه فجالستُ أهله، ولزمتُ هًا من فقهائهم"، وكان الشيخ حمَّادُ بن أبي سليمان أشهرَ مَن عرفتْه الكوفة وعرَفه العراق، هو أهم شيوخه، وكان هو في الثانية والعشرين مِن عمره، وراح يجوب البلادَ المجاورة؛ ليتعمقَ في العلم حتى بلغ الأربعين، وأصبح قادرًا على التدريس والفتوى، ولما مات شيخُه حمَّاد أخَذَ مكانه وتفوَّق. ومِن بين من تعلَّم على يدهم: الإمام مالك بن أنس، وزيد بن علي بن زين العابدين، وجعفر الصادق، وغيرهم. كان أبو حنيفة أولَ مَن دوَّن علم الفقه، وتبع نهجَه كلُّ من جاء بعده من أئمَّة، وعلماء وفقهاء، وهذا مِصداق لحديث المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله تعالى لا يَقبِض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، وإنما ينتزعه بموْت العلماء)). بدأ في كُتبه التي أملاها علي تلاميذه وراجَعها معهم بالطهارة، التي مِن أهمها المياه التي يتطهَّر المسلِم بها، والوضوء والغسل والتيمُّم، والصلاة وشروط الدخول فيها، وأنواعها، والزكاة والصيام، والمعاملات، والحدود والمواريث، وكان لتلميذه أبي يوسف أكبرُ فضْل في تثبيت أصولِ مذهب أبي حنيفة كلها. أخَذ أبو حنيفة عمَّن قابلهم من التابعين الذين رَوَوا الأحاديث عمَّن سبقوهم، والْتقوا بهم من كبار التابعين والصحابة، وكان أولَ مَن استنبط من الأحاديث، وشَهِد له أئمة كبار - كالأعمش وابن معين، وابن المديني ويزيد بن هارون - بالحِفْظ ومعرفة الحديث، والوثوق به، وأثنَوا عليه كثيرًا، واعتنَى الحافظ أبو محمد الحارثي بحديثه، فجمعه في مجلد ورتَّبه على شيوخه، وكذلك فعَل الحافظ ابن الحسن بن المظفر. كان - رحمه الله - شديدَ الدفاع عن حُرمات الله أن تؤتى، شديدَ الورع، لا ينطق في دِين الله إلا بعِلْم، يحب أن يُطاع الله - سبحانه وتعالى - ولا يُعصى، ويومًا أرسل إليه الخليفة العبَّاسي أبو جعفر المنصور يعرِض عليه تولِّي منصب القضاء، فاستخار الله ولم يطمئنَّ قلبُه، فأبى المنصب، وأمعن في الرفض، فأمر الخليفة بضربه مائةَ سوط وأن يُسجن، ولمَّا نصحه المقرَّبون بالتراجع أمر له بدفْع ثلاثين ألف درهم تَرضيةً له، وأخرجه من السجن. ومن جديدٍ رَفَض الإمام الأموالَ، فأمر بسجنه من جديد، فنُصح بالإفراج عنه فورًا وحدَّد إقامته، ومنعه من الاختلاط بالناس، حتى زاد عليه المرضُ واقترب مِن النهاية حتى تُوفي وهو ابن السبعين، فلما بلغ الخبر للخليفة المنصور قال: "مَن يعذرني منك حيًّا وميتًا؟! وصلَّى عليه أكثرُ من خمسين ألف مسلم ستَّ مرات. مالك بن أنس.. إمام الأئمة: وفي بلدة "ذي المروة" على بُعْد... من المدينة المنورة، وُلِد مالك بن أبي عامر سنة 93 هجرية في بيت متوسِّط، كان أبوه مقعدًا يصنع النِّبال، حَرَصتْ أمُّه على توجيهه إلى تعلُّم الفقه، فبعثتْ به إلى حلقة العلم لربيعةَ بن أبي عبدالرحمن، أعلم علماء المدينة آنذاك وأسخاهم. ولزم مالكٌ الإمام نافعًا مولَى عبدالله بن عمر، وكان ضريرًا، ودرَس على ابن هرمز عبدالله بن زَيد، وللزهري فضْل عظيم في تنشئة مالك، وفي تكوين فِكْره حتى إنَّه رَوى عنه في "الموطَّأ" اثنين وثلاثين ومائة حديث. ومِن أساتذته محمَّد بن المنكدر زعيم الفقهاء علمًا ونُبلاً، وكان سيِّدًا في القراءة، عابدًا زاهدًا، شارَك في تعليمه العلمَ، وهذَّبه على هَدْي مَن سبقه من الأئمَّة السابقين. كان مالك سريعَ الحفظ، كثيرَ التدوين، أذن له سبعون شيخًا من شيوخ مسجد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فصار شيخًا من شيوخ المسجد النبوي، وأصبح جديرًا بتعليم الفِقه، وإلْقاء حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. وكان يَلْتقي بتلاميذه ويُلقي عليهم دروسَه وهو جالس بين القبر والمِنْبر، ويقرأ حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بيْن بيتي ومِنبري روضةٌ مِن رياض الجنة)). وضع الإمام مالك بن أنس عِدَّة كتب، منها: "النجوم وحساب دوران الزمان ومنازل القمر"، و"التفسير لغريب القرآن"، و"رسالة إلى ابن وهب - في التوحيد"، ولعلَّ أشهر ما ألَّف وكتَب الإمامُ مالك هو كتاب "الموطَّأ" - أي الميسّر المسهل، وهو أصحُّ كتاب بعدَ كتاب الله وقد جمع حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقوال الصحابة وأقوال التابعين، ممَّا أجمع عليه أهلُ المدينة المنورة، لم يخرجْ عنها، وهو الأول في التأليف في الفِقه والحديث معًا. كان مالكٌ جريئًا لا يَخْشَى في الله لومةَ لائم، وقد ذَكَره العلماء والمحدِّثون بالفضل والتقدير، ولقِيَ وجه ربه الكريم سنة 179 هـ، وكان قد أوصى قُبَيل وفاته أن يُكفَّن في ثياب بيض، وأن يُصلَّى عليه بموضع الجنائز، وصلَّى عليه إمامًا عبدُالله بن محمَّد بن إبراهيم الهاشمي أمير المدينة، وصلَّى عليه كلُّ مَن علم بموته من أهل المدينة وزائريها، ودُفِن - رضي الله عنه - في البقيع. كان مذهبُ الإمام مالك في مقدِّمة الفقه الإسلامي، ونشأ مذهبُه بالمدينة المنورة، ثم انتشر في الحِجاز، وغلب عليها زمنًا طويلاً، إلى أن جاء المذهب الحنبليُّ فحلَّ محلَّه إلى الآن. الشافعي.. صاحب "الأم": كان أبوه إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافِع يعيش بأرْض الحجاز، فهو عربي يَنتمي إلى قريش، ويجتمع نسبُه مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جدِّه عبد مناف، تزوَّج من فاطمة الأزدية مِن قبائل اليمن الذين يعيشون في الحِجاز، صحِب إدريس زوجتَه فاطمة إلى قرية غزَّة بفلسطين، حيث كان المسلمون يرابطون لحراسةِ الثغْر في مدينة عسقلان، ولمَّا ولدت زوجته سمَّى مولوده محمدًا، وكانوا يُنادونه باسم "الشافعي"، في شهر رجب سنة 150 هجرية، وتُوفِّي إدريس وابنه طفل رضيع، فحملته أمُّه إلى مكة بجوار الحرَم في حي "شعب" الخيف، وذاق مرارةَ الفقر والحِرْمان، إلا مِن مساعدة ذوي قرابته من قريش، وحفِظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحَفِظ الكثيرَ من الشِّعر، وعقد العزمَ على الذَّهاب إلى المسجد الحرام؛ ليستمع إلى العلماء، فتتلمذ على سُفيانَ بن عيينة ومسلِم بن خالد الزَّنجيِّ وغيرهما. وأمام ذكائه ونبوغه برز هًا نابغة، ومفسرًا بارعًا، خبيرًا بالعربية، كان الشافعي - رضي الله عنه - يحبُّ التنقُّلَ في البلاد، يطلب العلم على يدِ العلماء، ويستمع إلى الأدباء، ويرى مقامَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويرى كتاب الموطَّأ الذي جمعَه الإمام مالك بن أنس مِن حديث رسول الله، واشتهر بيْن المسلمين. أحبَّه مالك وضيَّفه عنده ثمانية أشهر، يُلازمه في البيت وفي المسجد، وبعدَ انتهاء مالك من قراءة "الموطَّأ" يُعطيه للشافعي ليمليَه عليهم وهم يكتبونه، فعرَفه الناس، وعلَتْ منزلتُه، وازداد فهمًا ومتانةً، وحَفِظ أحاديثَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في المدينة. كان الشافعيُّ يعلم أنَّ الإمام أبا حنيفة - رضي الله عنه - بالعراق، وأنه توفِّي تاركًا عالِمَين هما: أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وغيرهما، وفي الكوفة تعرَّف الشافعي إليهما، واستضافه أبو الحسن في بيتِه، ومنها انتقل إلى بعض بلاد العراق وبلاد فارس وما حولها مِن بلاد العجم، وبعد عامَيْن كاملين عاد إلى المدينة قاصدًا المسجدَ النبوي سنة 174 هـ، وحضر درسَ الإمام مالك وصاحبَه لمدَّة تزيد على أربع سنوات. ومِن جديد قصَد مكة لزمن يسيرٍ، ثم ارتحل إلى اليمن، هناك تزوَّج وأنجب أولادًا، ثم عاد إلى مكَّةَ المكرَّمة، وقد أخذ علومَ الحجاز والعراق في رحلته الأولى، عاد ومعه الكثيرُ مِن علم أهل الرأي، واتَّخذ له حلقةً في المسجد الحرام، والْتفَّ حوله كثيرون يستمعون إلى طرائقه الجديدة في استنباط الأحكام، ومنهم الإمام أحمدُ بن حنبل وسفيانُ بن عيينة. وفي سنة 195 هـ قام برِحلة علميَّة إلى بغداد يُعلن اجتهادَه متسلحًا بسلاح العِلم والحُجَّة والبيان، وفي الجامع الغربي في بغداد أَمَّه العلماء والمتعلِّمون في حلقات العلم، ودخَل الشافعي مصرَ بعد ذلك سنة 199 هـ مع جماعة من تلاميذه، وراح يُلقي دروسه بجامع عمرو بن العاص بعدَ صلاة الصبح؛ كان يبدأ درسَه بأهل القرآن، فيقرأ لهم بعضَ الآيات ويفسِّرها، ويرد على أسئلتهم، ويظلُّ معهم حتى مطلع الشَّمس، فإذا طلعتِ الشمس وارتفعتْ قليلاً صلَّى الجميع صلاةَ الضحى، لتبدأ دروسُ الحديث النبوية، فجاء أهلُ الحديث، وكان يطلق لتلاميذه حريةَ التفكير، ثم يجيء أهل الفِقه وأصحابُ الأدب والشِّعر، واللُّغة والنحو، وكان يظل معهم إلى أن يصلِّيَ الظهر. وضَع الإمام الشافعي نحوَ عشرين كتابًا، منها: "الأم - في علم أصول الفقه ومعرِفة الأحكام - وكتاب الإملاء الصغير، والأمالي الكبرى، ومختصر الربيع، ومختصر المُزني، ومختصر البويطي، وكتاب الرِّسالة، وكتاب الجزية، وغيرها من كتب الشِّعر، وأصابه داءُ البواسير فأنهكَه النزيف، حتى كانت وفاتُه آخِرَ يوم من شهر رجب سنة 204 هجرية، وقد بلغ من العمر أربعًا وخمسين سَنة. سُئل يومًا عن الدليل على وجود الله، فأجاب شعرًا: اللَّهُ رَبِّي لاَ أُرِيدُ سِوَاهُ هَلْ فِي الوُجُودِ حَقِيقَةٌ إِلاَّهُ الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالوَحْشُ مَجَّدَهُ وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالحُوتُ نَاجَاهُ وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلاَيَاهُ وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ أحمد بن حنبل: كان جدُّ الإمام أحمد - واسمه حنبل بن هلال - واليًا على بلْدة سرخس مِن بلاد خراسان، قرَّبه منه الخليفة وولَّى ابنه محمدًا - والد أحمد - قائدًا في الجيش الذي تزوَّج ابنةَ عبدالملك بن سوادة، مِن قبيلة شيبان بالبصرة، يتَّصل نَسَبُ الإمام أحمد بسيِّدنا إسماعيل - عليه السلام - ويجتمع نسبُه مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في نزار؛ لأنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ولدِ مُضر بن نزار، وكل قريش مِن مضر. كانتْ ولادة أحمد في بغداد سنة 164هـ، اشتهر منذ طفولته باعتمادِه على نفسه - بعد وفاة أبيه - وعنايته بعِلمِه وعمله، واجتهاده وذكائه، وكان بارًّا بأمِّه التي لم تتزوَّجْ قط لرعايته، فلقَّنتْه ما عرَفَتْ من السِّيَر والأحاديث، وقصص العرب وبطولاتهم، وعلَّمتْه قِيَم الإسلام، وغرستْ فيه حبَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. وأوَّل ما جلس للتعليم كان في مساجدِ بغداد أن حفظ القرآن الكريم، والكثيرَ من أحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم رحل من بغداد ماشيًا إلى طرسوس بأعْلى بلاد الشام، ثم سافر ماشيًا إلى صنعاء باليمن، فدخل صنعاء ليلاً، ومكث عامين في صنعاء بعدَها عاد إلى مكة، كان يرتحل إلى الكوفة والبصرة والمدينة ومكة، وإلى كلِّ بلد فيها علماء يأخذ عنهم، كان يحفظ آلافَ الأحاديث، وكثرتْ رحلاته في طلب الحدِيث، درس أحمد بن حنبل على يدِ عبدالله بن المبارك، وتعلَّم منه الكثيرَ، وكان يطلب مع الحديث علومَ الفِقه، كان يطلب فِقهَ الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة، والتابعين وتابعيهم. جلس أحمد على كرسيِّ العلم وهو في الأربعين مِن عمره، كان يُصلِّي العصر ليحيط به الناس يسألونه في الفِقه والأحاديث والتفسير، وهو يُجيبهم حتى يأتي وقت المغرب، وما كان يجيب على أحد إلا بعدَ تروٍّ. أصبح أحمد وما في بغداد أحفظُ منه للحديث، ولا أعمق منه بصرًا بآثار الصحابة وفتاواهم، فضلاً عن فِقهه بعلوم القرآن، حتى استقرَّ له منهجٌ في استنباط الأحكام خالَف به السابقين، وشرَع يفسِّر القرآن الكريم، ويروي الأحاديث ويفسِّرها، ويشرح للناس مذهبَه في استنباط الأحكام، ويُفتي فيما يُطرَح عليه من مسائلَ، وشرح لتلاميذه أصولَ الفقه وفروعَه، وأجاب على آلاف المسائل، وكثُر الناس على حلقات علمِه الغزير، كان موضوعُ درسه هو القرآن وتفسيره، والسُّنَّة وآثار الصحابة. أخَذ عنه كثيرون: أحمد بن تيمية شيخ الإسلام، ابن قيّم الجوزية، محمد بن علي الشوكاني، وغيرهم من العلماء. لم يكن أحمد بن حنبل يرَى كتابة الكتب، وينهى أن يُكتب كلامُه ومسائله. ومن تصانيفه المنقولة: 1. مصنَّف المسنَد: وهو أربعون ألْف حديث، انتقاها من سبعمائة ألْف حديث. 2. التفسير: وهو آلاف الأحاديث والآثار التي يُفسِّر بها القرآن. 3. المقدَّم والمؤخَّر في القرآن. 4. جوابات القرآن. 5. المناسك الكبير والصغير. 6. الناسخ والمنسوخ. 7. التاريخ. 8. الزهد. 9. الرد على الجهمية. وكانت وفاته - رضي الله عنه - في شهر ربيع الأوَّل سنة إحدى وأربعين ومائتين 241هـ، كانت وفاته ببغداد، وعمره سبع وسبعون سنة، ودُفِن في مقبرة "باب حرب". ابن حزم .. أمير علماء الأندلس: أمَّا علي بن أحمد بن سعيد بن حزْم بن غالب بن صالح بن سفيان بن يزيد، وكُنيته أبو محمَّد، وشهرته ابن حزم، فكان مولده في آخِر رمضان سنة 384هـ شرْقَ قُرطبة بالأندلس، كان لأسرته شأنٌ كبير، فهم بنو حزم، فتية عِلم وأدب، ولهم رِفْعة جادَّة ومجد، كَرِه السياسة، وأحبَّ العلم، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة، وتعلم آدابه وأحكامه، وما اشتمل عليه مِن قصص وأخبار، وحَفِظ الأشعار، وتعلَّم الكتابة، وأجاد الخط، ولما كَبِر وشبَّ عن الطوق درس على يد الشيخ أبي الحسين بن علي الفاسي، وانشغل بمجالس العلم. ووقعتْ اضطراباتٌ سياسية في قرطبة، ووقعت فتنة، ففقد والده منصبَ الوزارة، وتبدَّلتْ حياته من نعيم وجاه إلى بؤس وشقاء، فاضطر للخروج من قُرْطبة إلى مدينة "المرية" أولَ المحرم سنة 404 هـ، وتعرض للسجن، فانتقل بعدَها إلى "بلنسية" في أول 408 هـ. كان ابن حزم منصرفًا آنذاكَ إلى دراسة الحديث النبوي الشريف، وعلوم القرآن، والأدب والنحو واللغة، وبعض العلوم العقلية والفلسفية، وعكَف على دراسة الفِقه، ودرس المذهب المالكي، وقرأ الموطَّأ على "عبدالله بن دحون"، ثم راح ينهل من علوم الأزدي المعروف بابن الفَرَضي، ودرس المذهب الشافعي، وتعرَّف على مذهب العراقيِّين، إلا أنه توقَّف عند المذهب الظاهري الذي يدعو فيه شيخُه داود الأصبهاني - تلميذ الشافعي - إلى التمسُّك بالنصوص وحدَها، فراق له هذا المذهب؛ لأنَّه يُطلِق حريةَ فِكْره فلا يتقيَّد بالمذاهب المشهورة، بل يتقيد فقط بالنصوص والآثار. ظلَّ ابن حزم ينشر آراءَه كلَّما انتقل إلى بلاد الإسلام، بيْن قرطبة وشاطبة، والمرية وبلنسية وميورقة، واكتسب أتباعًا كثيرين، وفي ميورقة تآمَرُوا عليه فأحْرقوا كتبه، وخرَج منها مرتحلاً حاملاً عِلمَه في صدرِه، ومضَى يقول لمن عادوه وأحرقوا كتبه: فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي يَسِيرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي وَيَنْزِلُ إِذْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي مُنَايَ مِنَ الدُّنْيَا عُلُومٌ أَبُثُّهَا وَأَنْشُرُهَا فِي كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ ضاق أمراء الأندلس ذرعًا بصراحته وصِدْقه - ربما لسابق اتصاله بالإمارة، ولمنزلة ومكانة أُسْرته؛ ولأنَّه فوق ذلك عالِم ه ينطق بالحق - فضيَّقوا الخناقَ عليه وأرهقوه، فعاد إلى بلدة أسرته "منت ليشم" بقُرطبة، وزهد في كلِّ شيء إلا في العِلم. كان ابن حزْمٍ يدعو إلى مسالمةِ الناس والائتناس بهم، وعدم معارضتهم فيما لا يضرُّ في الدِّينِ أو الدنيا، وكان وفيًّا لأصدقائه وشيوخه، ويعتزُّ بنفسه، وقد جمع بين ضروبِ العلم المختلفة، وقد قال عنه صاعد الأندلسي: "كان ابن حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللسان والبلاغة والشِّعر، والسِّير والأخبار". ورحل أميرُ علماء الأندلس في الثامن والعشرين من شعبان سنة 456 هـ، تاركًا ثروةً علمية عظيمة، تزيد على أربعمائة مجلد. الحسن البصري - اله الزاهد: أُمُّه "خيرة" مولاة السيِّدة أمِّ سَلَمة - رضي الله عنها - أم المؤمنين، ومولده كان في الحادي والعشرين للهجرة النبوية الشريفة، وأبوه اسمه "يسار" مولى الصحابي الجليل زيْد بن ثابت الأنصاري، نشأ الحسنُ بن يسار "البصري" في بيت من بيوت رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورُبِّي في كنف أمِّ سلمة التي كانتْ تُرضعه في غياب أمِّه خيرة فيسكتُ ويلين. وشبَّ الطفل وتتلمذ على أيدي كِبار الصحابة في مسجد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان له نصيبٌ وافر من معرفة السنَّة النبوية المطهَّرة، وأتم حِفْظ القرآن الكريم وهو في الرابعة عشرة مِن عمره، وتعلَّم الكتابة وضبط الحساب. وكان واسعَ الاطلاع، وغايةً في الفصاحة وحلاوة المنطق، شُجاعًا، وها هو حُجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي يقول عنه: "كان الحسن البصري أشبهَ الناس كلامًا بكلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأقربَهم هديًا من الصحابة - رضي الله عنهم - اتَّفقتِ الكلمة في حقِّه على ذلك". لزِمَ المسجد، وانقطع إلى حلقة ترجمان القرآن وحَبْر الأمة عبدالله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - وأخَذ عنه التفسير والحديث والقراءات، وأخَذ عنه وعن غيرِه الفِقهَ واللغةَ والأدب، وغيرها من العلوم، فأقبل الناسُ يتعلَّمون مِن علمه الغزير، ومواعظه الرائعة، فكانت حلقتُه في البصرة أوسعَ الحلقات. وأُعجِب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بكلامه في حلقته وأحبَّه، وانطلق الحسن البصري يدعو الناس إلى الورَعِ والزهد والتُّقى، فكان أولَ مَن وضع أُسس الزهد، ورسم طرق محاسبة النفس، وأعْلى من شأن فضائل الخوف والرجاء. عاش الحسن نحو ثمان وثمانين سَنَة، ملأ الدنيا فيها علمًا، وحِكمةً وفقهًا، وغاص في أعماق مجتمعه، ووصف أمراضَه وانتقده انتقادَ الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، فأجمعتِ القلوب على حبِّه، والاعتراف بفضله. وفي ليلة الجمعة من غُرَّة رجب سنة مائة وعشر لبَّى الحسن نداءَ ربه، فارتجت البصرة لموته، وغُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عليه بعدَ الجمعة. الليث بن سعد: إمامنا الليث بن سعْد شخصية فريدة لن يتكرَّر في تاريخ الفِقه والتاريخ الاجتماعي، كُنيته أبو الحارث، واسمه المعروف به الليث بن سعد بن عبدالرحمن، ينحدِر أصلُه من مصر، دخلتْ عائلته في الإسلام، وتعلَّمت اللغة العربية، كان مولده في منتصف شعبان سَنَة ثلاث وتسعين هجرية في بلدة قلقشندة - مركز طوخ - محافظة القليوبيَّة بمصر، كان أبوه ذا خبرةٍ طويلة في الزِّراعة والتجارة، فأورث ابنَه الليث الكثيرَ من المال، ووفَّر له ما أُتيح له من علوم الدين والتفقه في الإسلام، فحفِظ القرآن، وحفِظ ما وصله من أحاديثِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو صبيٌّ صغير، وحفِظ الكثيرَ من الشعر العربي وعلوم اللغة، فوجَّهه أبوه إلى الفسطاط وجامعها الكبير الذي سُمِّي فيما بعد "عمرو بن العاص"؛ ليَلتقيَ بعلمائه وفقهائه. وتتلمذ على كثيرين، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، عبدالله بن هبيرة السبائي، جعفر بن ربيعة، عبيدالله بن أبي جعفر، ويَزيد بن أبي حبيب، وتردَّد على حلقات العِلم في مسجد الفسطاط، وفي الحرَم بمكة المكرمة، ومسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم. وكان ممَّا اشتهر به الليثُ روايةُ الحديث على يد المحدِّث العظيم نافع أبي عبدالله الدَّيْلمي - ه المدينة - والْتقى بالإمام مالك بن أنس إمامِ دار الهجرة، وتصادقَا وتحابَّا في الله وتعود أن يزوره في المدينة كلَّما ذهب للحج أو العمرة، وزيارة الحَرَم النبوي الشريف. كما الْتَقى بأبي حنيفة في مجلس مالك بن أنس وأحبَّه، وكان الإمام الشافعي يُقيم في العراق ويتمنَّى زيارةَ مصر لرؤية الليث بن سعد، ولَمَّا حقَّق الله له ما تمنَّى كان الليث توفي، فوقف على قبره يبكي، ويقول: "كان الليث أفقهَ من مالك إلا أن أصحابَه ضيَّعوه". بعدَها تُوفِّي الشافعي ودُفِن في جوار قريب مِن جوار الليث بن سعْد - رضي الله عنهما - ودُفِن الاثنان في ضريحين في حيِّ الإمام الشافعي. الْتقى الليث بالمهدي بعدَ وفاة المنصور، وبالخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي أمر له بآلاف الدنانير، وقِطعة أرض بالجيزة كلها. وظلَّ الليث بن سعد يُعلِّم الناس في جامع الفسطاط حتى بلغَ الثمانين من عمره، وشرَح لهم ما يحتاجون في الفِقه وعلومه وما يحفظ مِن الأحاديث، وأصابَه مرضٌ حتى لبَّى نداء ربه في يوم الجمعة سنة خمس وسبعين ومائة مِن الهجرة، ولم تشهدْ مصر قبلَه ولا بعده جنازةً كجنازته، ودُفِن في سفح المقطم، وأسس بجوار قبره مساجد: الليث، الإمام الشافعي، السيدة نفيسة، السيدة سكينة بنت الحسن - رضي الله عنهم - أجمعين. ابن تيمية - شيخ الإسلام: هو أبو العبَّاس أحمدُ تقي الدين ابن الشيخ شِهاب الدين أبي المحاسِن عبدالحليم، ابن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبدالسلام، ابن أبي محمَّد عبد الله أبي القاسم الخضر، كان له جدٌّ من الأجداد، أُمُّه واعظة، واسمها تيميَّة، فاشتهرتِ الأسرة بها، وُلِد في العاشر من ربيع الأول سنة 661 هـ بمدينة حرَّان شمالَ شرقي تركيا، وكانت من أهمِّ مراكز الديانات، وبعد غارات التتار على بلدتِه رحل عنها إلى دمشق مع والده الذي ذاع فضلُه، واشتهر أمرُه، فكان له كرسي للدراسة، والوعظ والإرشاد بجامع دمشق العظيم، فتولَّى مشيخة دار الحديث، وبها كان مسكنُه، وفيها تربَّى ابنُه تقي الدين ابن تيمية، الذي اتجه في طفولته المبكِّرة إلى حفظ القرآن الكريم، ثم الحديث النبوي وروايته، وتلقِّيه عن رجاله، بالإضافة إلى دراسته لعلوم أخرى كالرياضيات والعلوم العربية، وأخبار العرب في القديم، ودرس الفقهَ الحنبلي، وتتبَّع سيرَه والمذاهب الأخرى، وبخاصَّة المذهب الشافعي. تولَّى ابن تيمية مكانَ أبيه وهو في الثانية والعشرين، فجلس مجلسه، وحل محلَّه؛ ليدرِّسَ الحديث ورجاله، وليكون نظيرًا لابن دقيق العيد العالِم الجليل، وغيره ممَّن كانوا يُدرِّسون في تلك المدارس، وفي الجامع الكبير في دمشق، ألْقَى ابن تيمية دروسه في الجامع الكبير، فأقبل الجميعُ على درسه، وكثر تلاميذه. كان جُلُّ همه إحياء ما كان عليه الصحابةُ ممن تلقَّوا الإسلام صافيًا عن رسول الله في بَدْء الدعوة، وعندما أغار التتار على دمشق لم يفرَّ، وراح يدعو الناس إلى القِتال، حتى طردوهم شرَّ طردة. تتلمذ على يديه كثيرون، مثل: الحافظ المحقِّق أبي عبدالله محمد بن أحمد المقدسي الحنبلي الصالحي، والحافظ سراج الدين أبي حفص عمر بن علي الأزجي البغدادي، والمؤرِّخ شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عثمان الذهبي الدمشقي، والحافظ أبي الفتْح ابن سيِّد الناس اليعمري المصري، وغيرهم كثيرون. وظَهر في الجزيرة العربية مَن قرأ عِلمَه ورأيَه، وتحمَّس له، ودعا مِن حوله إلى اعتناق كلِّ ما جاء به ابن تيمية، وردَّده في كتبه، وهو الإمام محمَّد بن عبدالوهاب، والتفَّ حوله علماءُ كثيرون، وكان من أشدِّهم إخلاصًا محمَّد بن سعود جد الأسرة الملكية السعودية، الذي عمِل على نشْر مذاهب ابن تيمية مع آخرين. ترك ابن تيمية آثارًا كثيرة قيِّمة، وصلتْ إلى ثلاثمائة مجلد، منها: المناظرة في العقيدة الواسطية، الوصية الكبرى، الوصية في الدين والدنيا، رسالة في الاستغاثة، رسالة الحلال، تفسير المعوذتين، معالِم الأصول، رسالة الفرْقان بين الحق والباطل، رفْع الملام عن الأئمة والأعلام، رسالة الحِسْبة في الإسلام، والفتاوى المصرية. وقد لَقِيَ ربه ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة 728هـ، وقال فيه الإمام الذهبي: "فريدُ العصر علمًا ومعرفةً، وشجاعةً وذكاءً، وكرمًا ونصحًا للأمَّة، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر". ابن قَيِّم الجوزية - باعث النهضة الإسلامية: ولد أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكْر بن أيُّوبَ بن سعد بن حريز الزُّرعي الدمشقي، الشهير بابن قيِّم الجوزية، في السابع من صَفَر سنة 691 هـ في بيت علم وفضْل، وصلاح وتقوى، أبوه كان قيِّمًا على المدرسة الجوزية بدمشق، ل له "قيِّم الجوزية"، والجوزية كانتْ من أعظمِ مدارس الحنابلة بدمشق نسبةً إلى واقفها الإمامِ أبي الفرَج عبدالرحمن بن الجوزي. كان زاهدًا - رحمه الله - كوالده، محتقرًا للدنيا، فها هو ابن كثير يقول عنه: "لا أعرفُ في هذا العالَم في زماننا أكثرَ عبادةً منه، وكانتْ له طريقة في الصلاة يُطيلها جدًّا، ويمد ركوعها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزِع عن ذلك - رحمه الله تعالى". تلقَّى ابن القيِّم كافةَ العلوم الشرعية، فدرس التوحيد وعلم الكلام، والتفسير والحديث، والفقه وأصوله، والفرائض، واللغة والنحو، وغيرها على علماء عصره، وبرَع مثلَهم، وألَمَّ بأصول الدِّين، والحديث ومعانيه، وفقهه وأصوله، وبالعربية، ولازم الشيخَ ابنَ تيمية منذ عودته من مصر سنة 712 هـ، وحتى وفاته سنة 728 هـ، وتعلَّم منه الكثيرَ، وأخذ منه دعوتَه إلى التمسُّك بكتاب الله وسنَّة رسوله الكريم، وتجديد معالِم الدين الصحيح، وتنقيته من البِدع والخرافات. وملأ ابن قيِّم الجوزية المكتبةَ الإسلامية بالعديد من المؤلَّفات تَزيد على مائة كتاب في شتَّى مجالات العلم، مِن أهمها: زاد المعاد في هدْي خير العباد، أعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين، جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، الداء والدواء، الروح، شرح الأسماء الحسني، مفتاح دار السعادة، ومدارج السالكين بيْن منازل إياك نعبد وإياك نستعين. كان ابن قيِّم الجوزية موسوعةً في المعرفة، شهِد له بذلك أقرانُه وعلماءُ عصره ومَن نقل عنهم، وقد توفِّي بعد حياة حافلة بالإنجازات ليلةَ الخميس ثالثَ عشرَ من رجب سنة 751 هـ، وعمره ستُّون عامًا، وصلَّوْا عليه بعدَ صلاة الظهر بالجامع الأموي، ثم بجامع جراح، قرب المقبرة التي دفن فيها بالباب الصغير. الشوكاني - موسوعة المعرفة: اسمه: محمَّد بن علي بن عبدالله الشوكاني، ويَنتهي نسَبُه إلى زيدِ بن كهلان بن سبأ، فهو يَمني عربي. كُنيته ولقبه: (الشوكاني) نسبة إلى القرية التي وُلِد فيها (هجرة شوكان) القريبة من صنعاء. وُلِد في الثامن والعشرين مِن ذي القعدة سنة 1173 هـ، وانتقل فيما بعدُ إلى مدينة صنعاء بيْن أسرة ذات علم ورِفعة. كان أبوه مِن كبار العلماء، فحَفِظ الشوكاني القرآن في صِغَره، والكثيرَ من الأحاديث النبوية الشريفة، والفقه واللغة العربية، واطَّلع بعد ذلك على مختلف العلوم والفنون، ممَّا ساعده على هجْر التعصُّب المذهبي، والتحرر من آفة التقليد، فقد أحاط بعلوم المجدِّدين والمصلِحين، كالإمام مالك وأبي حنيفة النعمان، وابن حنبل، والغزالي، وابن تيميه، وابن قيِّم الجوزية، فصار واحدًا منهم. وتفرَّغ للتدريس لطلاَّب العلم، وإفادتهم بما تلقَّاه من العلوم، فكان يُخصِّص لهم في كل يوم أكثرَ من عشرة دروس في فنون متعدِّدة، كان قد قرأها على شيوخه، ودرس العلم الرياضي، والطبيعي والإلهي، وعِلم المناظرة، وعلم الوضْع وغيرها. وبلغ الشوكانيُّ مكانةً اعترف بها كبارُ العلماء في اليمن رغمَ سِنِّه التي لم تتجاوز العشرين، كان منهجه الإصلاحي في الدعوة يقوم على أُسس، تتمثَّل في: 1- دعوته إلى الابتكار والبَحْث، والبُعْد عن التقليد والمحاكاة مِن غير دراسة. 2- العودة إلى العقيدة السلفيَّة وما كانتْ عليه الحياةُ أيامَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة - رضي الله عنهم - حتى تتطهرَ العقيدة، وتُنقَّى مما دخَل عليها من غريب. وكان نهجُه السلفيُّ مبنيًّا على الاجتهاد، لا التقليد. من مؤلفاته المطبوعة: إتحاف الأكابر بإسناد الفاتر، إرشاد الثقات إلى إتقان الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علوم الأصول، البَدْر الطالع بمحاسِن مَن بعد القرن السابع، التُّحف في الإرشاد إلى مذهب السَّلَف، تحفة الذاكرين بعدة الحِصْن الحصين من كلام سيِّد المرسلين، شرح الصدور بتحريم رفْع القبور، أمناء الشريعة، إشكال السائل إلى تفسير ﴿َالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلْ﴾ وقطر الولي على حديث الولي، وللشوكاني حوالي 240 مخطوطة. وتُوفِّي - رحمه الله - في صنعاء اليمن في جمادى الآخرة سَنةَ 1250هـ عن ستٍّ وسبعين سنة، وقبرُه موجود في مقبرة خزيمة بصنعاء، وقد صلَّى عليه في الجامع الكبير آلافُ المسلمين، رحمة الله عليهم أجمعين.
|
04-15-2016, 10:02 AM | #2 | |
مشرف عام
|
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك ولا حرمك الأجر يارب وأنار الله قلبك بنور الايمان احترامى ..❀ |
|
|
04-15-2016, 02:52 PM | #3 | |
نائب الاداره
|
زادك الله علما ومعرفة وجزيل
الشكرعلى هذاالإنتقاء تحياتى |
|
|
04-15-2016, 02:52 PM | #4 | |
نائب الاداره
|
زادك الله علما ومعرفة وجزيل
الشكرعلى هذاالإنتقاء تحياتى |
|
|
04-15-2016, 08:32 PM | #5 | |
~ مشرف منتدى الاثاث والديكور المنزلى ~
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
|
|
04-16-2016, 03:06 AM | #6 | |
نائب الاداره
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
|
|
04-17-2016, 04:23 PM | #7 | |
المشرفات
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
|
|
04-18-2016, 05:10 PM | #8 | |
الاداره
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك
لك مني أجمل تحية تحياتى فادى |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|