آفـة الرؤســاء

هطلت الأمطار، وامتلأت البحيرات بالمياه العذبة النقية، واهتزت الأشجار خضرة ونضارة، واجتمعت الحيوانات كلها وهي فرحة بنزول الغيث بعد فصل جفاف طويل، وراحوا يحتفلون وقد غضُّوا الطرف عن عداواتهم وأحقادهم.
قام القرد باستعراض مهاراته في القفز بين الأغصان والإتيان بحركات بهلوانية لا يقدر على تقليدها أي حيوان آخر.. لذلك حاز على إعجاب الجميع.. وتنامي هذا الإعجاب حتى اقترح السيد قشطه ( فرس النهر ) على سائر الحيوانات أن يُعين القرد رئيساً، وهو الاقتراح الذي لقي ترحيبا عاماً.. وبالفعل أُعلن أن القرد أصبح رئيس الغابة..
لكن الثعلب قابل هذا الإعلان بالامتعاض؛ كيف يكون إحسان الرقص والبهلوانية مقياساً لاختيار الرُّؤساء؟
ولعل الثعلب أيضاً كان يرى أنه أحق بهذا المنصب الرَّفيع، فهو الأكثر ذكاءً والأكثر دهاءً بين الحيوانات.
عزم الثعلب على أن يستعمل دهاءه في تلقين القرد وسائر الحيوانات درساً لا ينسونه، وراح يفكر ويخطط حتى سنحت الفكرة عندما رأى في ركن الغابة صياداً ينصب فخاً، ورآه وهو يضع فيه قطعة من الجبن.
فلم يُضع وقتاً، وانطلق من فوره إلى القرد، وقال له:
- يا سيادة الرئيس.. لقد ألقت عليك الحيوانات مسئولية كبيرة تحتاج معها للغذاء الطيب الذي يجدد نشاطك ويوفر لك وقتك.. وقد دبّرت لك مخزنا من الطعام تأكل منه وحدك دون سائر الحيوانات..
سُرّ القرد لهذه الفكرة، فطعام جيد بدون جهد وطول بحث أمر جميل حقاً.
سأل القرد:
- وأين هذا المخزن؟
فقال الثعلب:
- إذا أقبل الليل أخذتك- يا سيادة الرئيس- إليه حتى لا يراه أحد من الحيوانات فيأكل منه معك.
شكر القرد للثعلب حُسن عنايته وتدبيره..
وفي الليل ذهب الثعلب وخلفه القرد إلى هناك وهما يتخفَّيان وينظران عن يمين وشمال.
بدا بياض قطعة الجبن في ظلام الليل، فقال الثعلب:
- هاهو مخزن الطعام، فتقدم يا سيادة الرئيس وكل منه هنيئاً مريئاً.. وسأقف هنا أراقب لك الطريق.
تقدم القرد من قطعة الجبن، وملأت رائحتها خياشيمه، فمد إليها يده، فإذا بالفخ ينطبق على رجله بكلَّابته الحديدية القاسية، وراح القرد يولول ويصرخ، وراح الثعلب يضحك ويقول:
- يا سيادة الرئيس.. لولا أنك لا تُفلح إلا في الرَّقص ما وقعت في هذا الفخ.
وانطلق يسابق الرِّيح ليدعو سائر الحيوانات لمشاهدة السيد الرئيس متلبساً بخيانة حيوانات الغابة التي اختارته لمجرّد أنه بهلوان ورقَّاص.

(مستوحاة من قصص أيسوب)

 

طرح رآئع كروعة حضورك
دمتي ودآم فيض عطآئك
كل الشكر لك ويعطيك العآفية
بآقآت الورد لروحك الطيبة ~