الثعبان والغراب العجوز

الثعبان والغراب العجوز

قالوا إن عاقبة البغي وخيمة، فلا تظن أن هناك باغيا يمضى ببغيه دون أن يلقى العقاب.. وعقاب الباغي دائما أليم كما حدث للثعبان الذي في قصتنا هذه، فما هي حكايته؟؟
على فرع شجرة عتيقة في الغابة اتخذ الزوجان عشهما: الغُراب وأنثاه.
وكانت أنثى الغراب تضع بيضها في العشّ، وقد تخرج مع زوجها الغراب إلى هنا أو هناك دون أن تخش على البيض من شيء.. فالغابة هادئة، والجيران كلّهم طيبون.
لكن جاراً جديداً حلّ بجُحر في أسفل الشجرة، وهو الثعبان الأسود، فأراد الغراب وزوجته أن يتودَّدا إليه حتى يأْمنا شرّه، فنادى عليه قائلا:
- مرحبا بجارنا العزيز.. نرجو أن يُعجبك المقام فى سكنك الجديد في جوارنا..
نظر الثعبان إليهما في كِبر وقال:
- نعم بكل تأكيد.
فقال الغراب:
- وياليت علاقتنا معاً تقوم على الاحترام المتبادل، ورعاية حقوق الجيرة، ولن تجدنا إلا خير عونٍ لك.
فهمهم الثعبان موافقاً ثم تسلَّل إلى داخل الجُحر ليستريح.
في اليوم التالي طار الغراب وزوجته ليطلبا طعاما لهما، وتركا البيض في العش كما هي عادتهما، فتسلل الثعبان في خِفّة صاعداً الشجرة حتى وصل إلى العش فوجد به أربع بيضات، فالتهم اثنتان، وأخذ طريقه هابطاً إلى أسفل الشجرة..
عندما عاد الغرابان فوجئا بما حلّ بالبيض، ودارت شكوكهما حول الوافد الجديد: الثعبان، وقالت زوجة الغراب في أسى:
- لعله لم يعد من المناسب الآن ترك العش وحيداً، فمن الآن اذهب أنت لجلب الطعام وأبقى أنا أحرس البيض.
وفعلاً تم ما اتَّفقا عليه، لكن ذلك لم يكن ليمنع الثعبان من التسلل إلى العش مرة أخرى عندما شعر بالجوع، فوجد الثعبان نفسه وجها لوجه مع زوجة الغراب التي صرخت فيه لينصرف عن بيضها، لكنه لم يعبأ بصراخها، والتهم البيضتين الباقيتين أمام عينها، ثم ولَّى هابطاً.
وتكرر هذا الأمر عدة مرات، كلما وضعت أنثي الغراب بيضا صعد الثعبان إليه والتهمه سواء كان العش وحيداً أو في وجود أحد الغرابين أو الاثنين معاً.
في يوم عاد الغراب ليجد زوجته تلملم أشياءها وقد ضاق صدرُها، وقالت له وهى تذرف دموعها:
- لم يعد لنا عيش على هذه الشجرة في جوار هذا الثعبان الشرير.لابد أن نرحل من هنا ونترك له هذه الناحية من الغابة كلها.
فقال الغراب:
- لا نترك بيتنا ونرحل، بل هو الذي يرحل.
قالت:
- كيف تقول؟ نحن لا طاقة لنا بهذا الوحش الكاسر، كيف نطرده؟
قال:
- ما من مُشكلة إلا ولها حل، وإن كنا نحن لا نعرف الحل، فلا بأس من استشارة من هم أكبر منَّا وأكثر منا خبرة.
قالت:
- من تعنى؟
قال:
- جدي.. إنه يسكن على شجرة في الطرف الآخر من الغابة، فتعالى نزوره، ونسأله عن الحل لمشكلتنا.
قالت:
- فلنجرب.
وانطلقا على الفور إلى الغراب الجدّ الذي رحَّب بهما، وسألهما عن سبب حزنهما، فقصّا عليه القصة كاملة.
أطرق الغراب الجد مفكراً، ثم رفع رأسه وقال:
- لابد من استعمال الحيلة..
ثم أشار بطرف جناحه وقال:
- هل ترى ذلك النهر الذي هناك.
نظر الغراب إليه وقال:
- نعم أراه.
قال الجد:
- في هذا النهر تحضر الملكة كل صباح ومعها وصيفاتها وحراسها لتسبح في ماء النهر، وتضع حُليَّها على الشاطئ في حراسة الحُراس، فاذهب إلى هناك في ذلك الوقت واخطف قطعة من حُلى الملكة، على أن يراك الحراس، ويتمكنوا من اتّباعك حتى تُلقى القطعة فى جُحر الثعبان.
وفي الصباح طار الغراب إلى النهر، ورأى الملكة وهى تسبح وحولها وصيفاتها، ورأى الحلي موضوعاً على قطعة قماش على الشاطئ والحراس علي مقربه منه، فتسلل في خفة ثم انقض على قطعة من الحلي فأمسك بها في منقاره القوى وطار بها فوق رؤوس الحراس الذين صاحوا فيه.. ونادى بعضهم البعض.. وانطلق ثلاثة منهم وراءه وهو لا يغيب عن أنظارهم.


وصل الغراب أخيراً إلى الشجرة التي بأسفلها جحر الثعبان، ورأى الجحر فاغراً فاه، فألقى القطعة الذهبية داخله ثم حلق إلى أعلى الشجرة حيث كانت زوجته على الغصن بجوار عشيهما، ووقفا معاً ينظران إلى ما سيحدث..
أقبل الحراس بسرعة على الجحر الذي ألقيت فيه الحلية الذهبية، وأدخل أحدهم عصا جافة ليختبر ما بداخل الجحر، فخرج الثعبان مزمجراً وله فحيحٌ عالٍ، فانقض الحراس عليه ضرباً وطعنا بالرماح حتى فتكوا به، ثم أخذوا قطعة الذهب وقفلوا راجعين.
فرح الغرابان فرحا كبيرا لمقتل الثعبان، وقالت زوجة الغراب:
- الحمد لله الذى خلَّصنا من هذا الجار الفاجر.
فقال زوجها الغراب:
- الحمد لله الذي أوجد لنا كِباراً نرجع إليهم ونستشيرهم في الأزمات، ولقد قالوا قديما: ما خاب من استشار.
( مستوحاة من كليلة ودمنة )

 

طرح رآئع كروعة حضورك
دمتي ودآم فيض عطآئك
كل الشكر لك ويعطيك العآفية
بآقآت الورد لروحك الطيبة ~