ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

 


الإهداءات



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 11-10-2012, 09:34 AM
\
مشرف قسم
Medo غير متواجد حالياً
Egypt     Male
لوني المفضل Darkmagenta
 رقم العضوية : 30
 تاريخ التسجيل : Sep 2011
 فترة الأقامة : 4806 يوم
 أخر زيارة : 03-01-2018 (06:21 PM)
 المشاركات : 3,985 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي السّراب



تراكم البخار على زجاج النافذة, فأضر بالرؤية.. تذكر مصيره المجهول وغموض غده..
كان الجو صحوًا طيلة النهار.. لم تبدُ في الفضاء أي شارة أو بشارة تنذر بالمطر.. فجأة تصدعت السماء بماء منهمر.. كأنها ملايين القِرَب اندلقت معًا.. مر في ذهنه ذلك النوع من النساء.. تكون الواحدة منهن في الأشهر الأخيرة لحملها,دون أن يكتشف الناظر, للوهلة الأولى على الأقل, أنها حامل أصلا..! أكانت السماء تبكي عليه, أم نيابة عنه..؟
شق النافذة قليلا.. كانت حبال المطر نازلة من السماء نظيفة رقراقة .. كأسلاك فضيّه .. تصفق الإسفلت بقوة.. تمامًا كما ارتطم هو بواقعه .. ثم سرعان ما يتحول لونها إلى البني , بسبب الأوساخ وقاذورات الشوارع..
ما أكثر الأشياء التي كانت في الأصل جميلة ونظيفة.. لكننا دنسناها بحماقاتنا, أو لفرط كبرياء زائفة فينا..!
جاءه سعال ضعيف مخنوق من الداخل.. أسرع نحو أبيه الراقد في سريره.. كومة من العظام .. رفع البطانية على جسد الشيخ .. وقع نظره على عينيه الغائرتين, فتمنى لو أنه
كان يستطيع إعادة الزمن إلى الوراء وترتيب الأشياء من جديد..

ماتت أمه قبل أن يتم الرابعة.. بعدها تزوج أبوه من أخرى ..عرف يومها أن اليتيم ليس من مات أبوه .. وحده من ماتت أمه يتيم ..
مع السنين وجد عزاءه في حبه الأول .. فاطمة وحيدة الشيخ محمود..
ايه يا فاطمة ..
اقتحمت حياته بسهولة متناهية, لافتقاره وقتها لأي مناعة عاطفية .. لفلفته بمشاعر نقية غامره .. تمامًا كما يليق بعشق صبايا الريف اللواتي لم تشوّه الحضارة صدق مشاعرهن ..!
إلى أن كان يوم ..
حادثها على النت, ربما لشهرين .. فتن بشعرها الأصفر وعينيها الخضراوين .. دعته إلى بلادها بعد أن وعدته بحب وفير ورزق أوفر.. اعتقد أن طاقة القدر قد فتحت له, للهروب من حياة ليس مثلها إلا الموت..
توسل إليه أبوه ألا يسافر .. قال له أن كرم اللوز كبير, وان سنه وأمراضه لم تعد تسمح له بالعناية به.. ولكن ما تصوره فرصة العمر, حال بينه وبين الإصغاء إلى أحد..
وسافر.. دون أن يخبر فاطمة..


عاش مع ‘ فيرا’ ثلاث سنين .. زاول خلالها أعمالا كثيرة.. دنيئة وغير مربحه.. إلى أن كانت ليلة ضبطها, متلبسة, مع آخر.. وما إن احتج , حتى طردته من بيت أمها, الذي كانا يقيمان معها فيه..!
في الشارع .. مع القطط الضالة والمتسولين .. وجد نفسه يردد :

أين هذه الساقطة من فاطمة ؟ ..
تذكر وقت أوصاه أبوه ألا يسعى أبدًا للجلوس فوق القمم التي يسهل السقوط منها..
طرق الباب, حال وصوله في الصباح الباكر, فلم يفتح له أحد.. دفعه بقوة ودخل .. كان في البيت سكون رهيب .. جال في الغرف فخيل إليه أنه في مقبرة .. وصل أخيرًا حجرة نوم والديه, فوجد شبح أبيه في السرير .. لولا انه أبوه لما تعرف عليه, لفرط ما فعل الزمان به في سنين قلائل..
أخبره الشيخ أن أخته قد تزوجت وسافرت مع زوجها إلى كندا.. لم يعرفوا عنوانه وقتها كي يخبروه..
قال أيضًا إن اليهود قد جرّفوا أكثر من ثلثي أشجار اللوز.. بقيت بضع شجرات لم يتمكن , بسبب مرضه, من جمع ثمارها, فتركها للرعاة والعصافير..
انتظره كي يقول شيئًا عن فاطمة, إلا أن الشيخ عاد إلى صمته.. خجل أن يسأله .. تركه وراح يدخن عند النافذة.. محطمًا.. يائسًا.. موقنًا أنه قد خسر كل شيء.. كل شيء ..

في حوالي السابعة, سمع طرقًا قويًا على الباب.. حين فتحه, اندفعت إلى الداخل هاربة من المطر .. ومن عيون الآخرين ..
وقفت أمامه تجلل رأسها كبرياء الخاسرين .. كانت خصلات شعرها المبللة قد أضفت على وجهها سحرًا ملائكيًا, جعلها تبدو أجمل نساء الدنيا.. فهم حينها أن للحب قدرة أسطورية لإضفاء الجمالية حتى على الأشياء أو الأشخاص العاديين ..
تظاهرت أنها فوجئت بوجوده.. قالت : ‘ أنت هنا ..؟ جئت أتفقد الشيخ..’ واستدارت لتمضي ..
وجدت أقدامها ثقيلة كما لو كبلت بقيد .. تمنت لو يستبقيها أحد أو شيء, ولو كان الموت.. كانت ما تزال تحبه كما لم تحب امرأة رجلا.. تحس كأنها ولدت منذ الأزل لتحبه هو.. كأنه “مفصل على قدها”.. كما لو أنها لا تصلح, أو لا يصح أن تكون لغيره.. لكنها بكبرياء الأنثى تعرف أن المرأة قد تضحي بكل شيء لأجل رجل تحبه, لكنها قد تضحي به نفسه, لقضية تتعلق بكرامتها.. وكانت فعلته تقف بينهما كنهر من نار..
لا يعرف من أين جاءته الجرأة ليقفز بينها وبين الباب.. وقف هناك كالصنم.. حاول أن يعتذر .. أن يقول شيئًا .. ولكن هربت من على شفتيه كل الكلمات..
تمنى لو أنه يستطيع الانحناء لتقبيل قدميها.. أمّا هي فلم تكن محتاجة لكل هذا, لتغفر .. كانت تنتظر فقط بضع كلمات تساعدها لتحييد ضغط هائل تمارسه عليها كرامتها.. ولكن أنّى لمثله أن يفهم.. هو لم يكن من ذلك النوع من الرجال القادرين على إدراك عمق الإيقاع السري لعواطف أنثى ..
في هذه اللحظات الحادة الحرجة, جاءهما سعال الشيخ من الداخل .. ركضا نحوه معًا ..

كان واضحًا أنه في الرمق الأخير..
لما رآها قال : ‘سامحيه يا ابنتي.. لم يبق له إلا أنت.. ‘ واسلم الروح..
وجدت في كلمات الشيخ ذريعة وجيهة لتبرير فضح مشاعرها.. فانفجرت في بكاء يقطع نياط القلوب..
عند رأس الشيخ تعانقا ..

انتحب بين يديها كما يليق بطفل/ رجل يتيم ..

بعد شهرين تمامًا كانت الزغاريد ملء فضاء المخيم ..

كانت ليلة زفاف حسن وفاطمة.

 

الموضوع الأصلي : السّراب     -||-     المصدر : منتديات حبة حب     -||-     الكاتب : Medo



 توقيع :

الحب من الممكن أن يمسنا مرة واحدة
و يستمر من أجل باقي الحياة
دون أن يفارقنا حتى نموت

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap 


الساعة الآن 09:31 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010