|
#1
|
|||||||
|
|||||||
رمضان شهر القرآن
الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، وبعد: اختص الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بخصائص عديدة، وميزه عن غيره من الشهور بمزايا فريدة، منها إنزال القرآن، بل والكتب السماوية السابقة نزلت في القرآن كما ثبت من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، و أُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، و أُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، و أُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ» [1]. وعندما أراد الله سبحانه في كتابه بيان أعظم ميزة لهذا الشهر قرنه بإنزال القرآن فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة : 185][2]، الشهر العظيم، الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم، المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية، وتبيين الحق بأوضح بيان، والفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأهل السعادة وأهل الشقاوة [3] . وفي مدحه بإنزاله فيه مدح للقرآن به من حيث أشعر أن من أعظم المقاصد بمشروعيته تصفية الفكر لأجل فهم القرآن[3] . والقرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1]، ثم نزل منجما مفرقا مفصلا طيلة ثلاث وعشرين سنة بحسب الأحداث. كان جبريل عليه السلام يلقى النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان كل ليلة يدارسه القرآن[4]، وكما في حديث ابن عباس كانت المدارسة ليلا[5]، وقال ابن رجب: ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان [6] . فقه السلف رضوان الله عليهم أهمية القرآن سيما في شهر رمضان، فكانوا يقبلون عليه بكليتهم ويهتمون به تلاوة ودراسة وتدبرا، وإليكم بعض النماذج النيرة والصور المشرقة: كان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرؤها في غير الصلاة!! وعن أبي حنيفة نحوه. وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام. وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن. وقد قرن النبي عليه الصلاة والسلام بين الصيام والقرآن لتلازمهما وترابطهما فقال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ «يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان» [7]. قال ابن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون [8]. قيل لرجل: مَالِي لا أَرَاكَ تَنَامُ؟ قَالَ: إِنَّ عَجَائِبَ الْقُرْآنِ أَطَرْنَ نَوْمِي، مَا أَخْرُجُ مِنْ أُعْجُوبَةٍ إِلا وَقَعْتُ فِي غَيْرِهَا [9]. للقرآن أهمية بالغة، تعظم في رمضان فهل من مشمر ومستثمر تلك الفضائل؟!! اجعل لك برنامج متنوع مع القرآن في شهر رمضان، يتضمن التلاوة والحفظ والمدارسة والتدبر: 1- ليكن لك ورد من تلاوة القرآن على أن تختم مرة كل عشرة أيام على الأقل. 2- اجعل لك وقت بكل يوم لحفظ شيئا يسيرا من القرآن، حتى لو كان مجموع ما تحفظه طوال الشهر نصف جزء أول أقل. 3- خصص وقتا يوميا للتدبر والتأمل والتفكر، من خلال النظر في مدلولات بعض الآيات، حتى لو خرجت بآية يوميا، واستنبطت منها العديد من الفوائد لكان جيدا، إذ كان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية. 4- احرص على قراءة شيء من التفسير لمعرفة معاني بعض السور التي تحددها بحسب المتاح. بذلك يكون لديك برنامج قرآني متنوع وشامل ستشعر بثمرته وقيمته لو تم تطبيقه في هذا الشهر المبارك. من أجل حكم إنزال القرآن التدبر قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 9] [12]، ولأهمية التدبر والخشوع والانتفاع بالقرآن نوعا لا كما أقام عليه الصلاة والسلام الليل في آية واحدة هي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة : 118]. وقام تميم الداري بقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية : 21]. وقام سعيد بن جبير يردد هذه الآية : {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس : 59]. وقال أبو سليمان الداراني: إني لأقيم في الآية أربع ليال أو خمس ليال. وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها. وبقي ابن عمر رضي الله عنهما خمس سنوات في سورة البقرة. وقال بعضهم: لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد! يقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار [10]. كم نحن بحاجة لإعادة النظر، في علاقتنا مع القرآن، من حيث التلاوة ومعرفة المعاني والتفكر والتدبر والتأمل، ثم الانتفاع والتطبيق والعمل! قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآن في خلق ولا عمل[11]. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّا صَعُبَ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَسَهُلَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ بَعْدَنَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِهِ[12]. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا ونور صدورنا، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما أنسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النار على الوجه الذي يرضيك عنا.
|
05-22-2016, 06:33 AM | #2 | |
مشرف قسم
|
جزاك الله خيرا غاليتي
كل عام وانتي بخير |
|
|
05-23-2016, 10:23 AM | #3 | |
نائب الاداره
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
|
|
05-24-2016, 05:38 AM | #4 | |
المشرفات
|
ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي لاحرمك الله رضاه |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|