#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تفسير الآيات 1 - 5 ، تربية الأولاد الصحيحة
الآيات الأولى من سورة مريم، وهي قوله تعالى:
﴿ كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5)﴾ ((عنْ أَبـِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [ أخرجه مسلم ] مهما تكن حياتك مفعمة بالأعمال الصالحة، مهما تكن حياتك مليئة بالأعمال الطيبة، حينما تنتهي الحياة ينقطع العمل، لكنك إذا أردت عملاً مستمراً إلى يوم القيامة، فعليك بتربية أولادك، أو عليك بترك علم نافع، أو صدقة جارية، سيدنا زكريا نبي كريم، طلب من الله عز وجل أن يهبه غلاماً يرثه بالدعوة إلى الله، والعلماء الكبار من شأنهم أن يهيئوا خلفاء لهم، قد تجد دعوة عريضة، كبيرة تنتهي بموت الداعية، لذلك كدعاة، كأباء، كمؤمنين، العوام لهم مثل، أقوله لكم باللغة الدارجة، بقلك ساقية جارية ولا نهر مقطوع، فلإنسان مهما كان عمله كبيراً ينتهي بموته، يروى عن الإمام الغزالي: أنه كان يجلس في مجلسه أربعمائة عمامة، ومع ذلك حينما توفي رحمه الله انتهى عمله، أما إحياء علوم الدين، هذا العمل بقي مستمراً إلى آخر الزمان، لابد من ترك أثر، إما ولد صالح، مؤمن، عالم، ه، أو علم ينتفع به، أو صدقة جارية، فهذا النبي الكريم طلب من الله من يثره في الدعوة إلى الله عز وجل، دائماً الإنسان ليس من شأنه أن يعيش في عصره فقط، وأن يتقوقع في زمانه، عليه أن ينظر إلى مستقبل الدعوة، فإذا الإنسان له دعوة، إقتداء بهذا النبي الكريم عليه أن يهيئ من يرثه من بعده في هذه الدعوة إذا أب عرف الله عز وجل عليه أن يربي أولاده تربية يكونون خلفاء من بعده، مرةً حضرت تأبيناً لعالم جليل بهذه البلدة الطيبة، طبعاً كان التأبين في أكبر جامع في دمشق، والخطباء أشادوا بهذا العالم الخطيب لكن فوجئنا ونحن في التعزية أن ابن هذا العالم وقف بيننا خطيباً، وألقى خطبةً لا تقل عن خطبة والده، وكان في التعزية وزير الأوقاف، فقدم بشرى لزوي المتوفى أن ابنه أصبح خطيباً من بعده في نفس الجامع، بقيت هذه الصورة في ذهني، معنى ذلك أن هذا العالم لم يموت، هذا الرجل له ولدان يخطبان في دمشق، طلبا العلم، فكل جهدك الذي تبذله في تعليم أولادك استثمار لك، إذا تركت ولداً صالحاً يدعو الله من بعدك، أو تركت ولداً يمشي على سيرتك، يقفو أثرك، فهذه من نعم الله الكبرى، فهذا القرآن الذي يتلى علينا كل يوم، ليس القصد أن نستمتع بقصة سيدنا زكريا، لا، القصد أن نقتدي بهذا النبي الكريم، فأنت على مستوى داعية، على مستوى عالم، لو أنت تاجر، ولك معاملة إسلامية، متميزة، يجب أن تربي ابنك على هذه المعاملة نفسها، حتى يكون أمر مستمر، لذلك يجب هذا الحديث أن يكون في أذهاننا " إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ، إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " لا أبـالغ إذا قلت لكم إن أعظم عـمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية إسلامية، أن تجعله عالم، أن تجعله طالب علم شرعي، أن تطمح أن يكون هذا الابن داعية إلى الله عز وجل، لأنه أكثر الناس يريده طبيب، في شارع واحد بالجسر 64 طبيب أسـنان يريده مهندس، لمـاذا لا نتمنى أن يكون ابننا عالماً شرعياً، داعية إلى الله عز وجل، لماذا كلية الطب تستقطب الأذكياء فقط ؟ ولا تستقطب الشريعة الأذكياء لماذا ؟ لماذا نريد صلاح أمورنا، وأولادنا، ولا نتمنى لهم أن يكونوا طلاب علم شرعي، لماذا ؟ هذا خطأ كبير في المجتمع الإسلامي، لازم كل أب يكون طموحه الأول أن يكون ابنه عالماً، عالماً يدعو إلى الله عز وجل، كل أعماله إلى يوم القيامة في صحيفته، يعني بشكل عام الآن العلم، في علم نادر جداً له دخل جيد، أما بقية الفروع لا تسمن ولا تغني من جوع، واحد خطب فتاة، ماذا يعمل الشاب، قالت لها مهندس، قالت لها: وأبوه ؟ قالت لها أيضاً مهندس، فأجابتها من يصرف عليك ؟! يعني ممكن إنسان يكون معه أعلى شهادة لكن ما في شغل، العمل الوظيفي انتهى، ما بقي غير العمل الآخر، إذا العلم وحده لا يكفي، مادام لا يكفي علمه علماً شرعياً، مادام العلم لا يسمن، ولا يغني من جوع إذاً علمه علماً شرعياً، واقتدي بهذا النبي الكريم. شيء آخر: " إذ نادى ربه نداء خفيا "، قال تعالى: ﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ﴾ (سورة الأعراف: 55). فسر بعضهم " المعتدين " هؤلاء الذين يدعون الله بصوت عالٍ بصخبٍ، بضجيج، هذا عدوان في الدعاء، يقول عليه الصلاة والسلام: " إنكم لا تخاطبون أصماً "، الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه بإمكانك أن تدعو الله عز وجل دعاءً صادقاً، خالصاً، وشفتاك لا يتحركان، بقلبك، " إذ نادى ربه نداء خفيا "، ليس المطلوب الضجيج والصخب، ورفع الصوت، والدعاء المنمق، والمسجع، ولا يحب الله التقعر بالألفاظ، ولا المتشدق، يحب قلباً، مخلصاً، صادقاً، ملتفتاً إليه. أول نقطة: اعتقد أعظم عمل على الإطلاق أن تربي ابنك تربية صحيحة، أن تجعله عالماً، أو أن تجعله داعية، أو أن تجعله طالب علم شرعي، لأن كل أعماله في صحيفتك وأنت لا تدري، الله عز وجل قال: ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ﴾ (سورة الطور: 21 أعماله كلها في صحيفة الأب، والذي يربي أولاده تربية إسلامية لا يموت، بمعنى أنه لو مات فكان ابنه خليفة له من بعده، لذلك الحرص البالغ على تربية الأولاد. الشيء الثاني: في ثلاث عدوانات على الدعاء، أول عدوان أن تكون معتدياً على الناس، عندئذٍ الله جل جلاله لا يستجيب لك، " ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين "، يعني إذا أنت اعتديت الله سبحانه وتعالى لا يقبل دعائك، ولا يستجيب لك، هذا أول معنى. المعنى الثاني: إذا رفعت الصوت بالدعاء هذا عدوان على مقام الألوهية إنك لو خاطبته سراً سمعك، العدوان الثالث: أن تدعوه من دون تضرع ولا تذلل، ناظر لمكانتك الدينية، لمكانتك الاجتماعية، لشهاداتك حجمك المالي، لا، ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين "، وكون مستقيماً مع خلقه حتى يستجيب لك، " ادعوا ربكم تضرعا "، تذللاً تواضعاً، من طريق منكسر، " وادعوا ربكم "، همساً بينك وبينه، وبإمكانك أن تدعو الله الدعاء الصادق المستجاب، دون أن تحرك شفتيك كما فعل سيدنا زكريا، " إذ نادى ربه نداء خفيا " إنسان دخل يقابل إنسان قل يا رب إني تبرأت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين، أردت أن تلقي درس، قل اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي، وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك يا ذا القوة المتين، كل ما تحركت حركة ادع الله، مالك مضطر أن ترفع يديك بالطريق وتقول يا رب، لا لست مضطر، وأنت ساكت، وشفتاك مغلقتان، بإمكانك أن تدعو الله عز وجل، ويستجيب لك وأنت لا تدري. لذلك نقطة ثانية بالدرس: عليك أن تربي أولادك التربية الإسلامية حتى تكون أعمالهم كلها في صحيفتك، من أجل الأعمال، أن تلتفت إلى ابنك، إلى أخلاقه، إلى حفظه للقرآن، أن تأتي به إلى المسجد، أن تعلمه على إنفاق المال، أن تدربه، هذا الذي يرضي الله عز وجل. لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " خير كسب الرجل ولده "، يعني أعظم عمل أن تأدب ابنك على معرفة الله، وحب النبي عليه الصلاة والسلام، وتلاوة القرآن، يعني يجب أن تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لتربية أولادك، وتوجيههم، وتعليمهم، ودفعهم إلى طاعة الله عز وجل لذلك ربنا عز وجل قال أعطانا جزاء تربية الأولاد في الدنيا قبل الآخرة ما هذا الجزاء قرة العين. ﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ﴾ (سورة الفرقان: 74) لا يصدق شعور الأب إذا رأى ابنه في طاعة الله، إذا رأى ابنه يتعلم، إذا رأى ابنه يتكلم كلاماً صحيحاً، شيء لا يوصف، هذا يحتاج إلى جهد، كل شيء يأتي من كل شيء، أما كل شيء من لا شيء لا يأتي. والحمد لله رب العالمين بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم. والحمد لله رب العالمين
الموضوع الأصلي :
تفسير الآيات 1 - 5 ، تربية الأولاد الصحيحة
-||-
المصدر :
منتديات حبة حب
-||-
الكاتب :
معانى الورد
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|