#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
قصة عمران
عمران
حينما تنسدل ستائر الليل يسجد المؤمن لربه طالبًا مغفرته ويستتر اللص بظلامه يتحين لحظة ينقض فيها على فريسته و يأوي العامل إلى فراشه ليستريح من عناء العمل في نهار يوم طويل ولكن عمران و أمل لهما رأي أخر في الليل فهو بالنسبة لهما ملتقى العشاق و ما أحلى الليالي التي تطول فيها المكالمات التليفونية فيظل صوت كلاً منهما عالقًا في خيال الاخر. وحينما تطرق الشمس باب نهار جديد ينشغل المؤمن بأذكار الصباح و يتوارى اللص مخافة أن يعرفه أحد فيقبض عليه ويستعد العامل ليبدأ يوم عمل جديد ولكن عمران و أمل لهما رأي اخر في النهار فما أجمل أن يرى كلاً منهما الاخر فيشعر بالشوق وقد أصبح ملء العيون تكفي النظرات فهي أبلغ من الكلام .. عندما يتقابلان يكفي دفء الايدي في السلام .. يكفي الصمت في حضرة المشاعر البريئة. بالأمس كان عمران يتذكر لها أجزاء من الرواية التي يقرأها ويردد لها النصوص الرقيقة وأتفقا معًا على قراءتها فى اليوم التالي . كانت الرواية رومانسية و ممتعة ولكن مدرج المحاضرات ليس هو المكان الطبيعي لقرأتها ... أشار اليها بسبابته على كلمة ( أحبك ) فأشارت إليه بالخنصر على كلمة ( و أنا أيضاً ) فوضع لها خطاً أسفل كلمة ( حياتي ) فصنعت بقلمها دائرة صغيرة على كلمة ( عمري ) ... الان إقتنعا بأن الرواية تمس قلبهما الصغير ويجب أن يكملاها معاً ... فخرجا من المدرج غير عابئين بمن حولهما. يبدو إسم عمران غير ملائم لهذا الزمان فلم يعد أحد يطلق هذا الاسم على أولاده وهو بالفعل كذلك فهو لم يقابل طوال فترة دراسته زميل له بهذا الاسم من الممكن أن يكون قد قابله كأسم لوالد أحد اصدقاءه أو جده و لكن زميله من الصعب بل من المستحيل فهكذا بعض الاسماء تبدو أحيانًا مثل الموضة تنتهي بنهاية عصر وتظل فقط في كتب التاريخ . والدته هي التي أصرت على هذا الاسم فقد رزقت الخلفة بعد أكثر من خمسة عشر عام من الزواج طرقت فيها أبواب الاطباء وذهبت هنا و هناك ولكن بلا جدوى . كانت والدة زوجها تنظر اليها كالصحراء الجرداء لازرع ولا ماء هكذا رمال صفراء السراب فقط هو الذي يسيطر عليها كانت تتمزق مع هذة النظرات كل يوم الى قطع صغيرة تشتاق كل قطعة فيها الى الامومة .الم يكن الدعاء أفضل من تلك النظرات ؟ كثيراً ماكانت تسمع همسها في أذن ولدها ليتزوج من أخرى فتنجب له الولد فيرثه ويكون امتدادًا له فيدير شركته ويزيد الثراء ولكنه كان يرفض حتى ان الهمس احيانًا كان يتحول إلى مشادات بينهما و هى تقف من وراء الباب تبكي فى صمت وتشعر أنها بلا حول ولا قوة ماذا تفعل ؟ فتذهب لتصلي و تطيل السجود و الدعاء حتى انها لاتشعر بزوجها وهو يصلي بجوارها ايضًا بالتأكيد كان يدعو نفس الدعاء ( اللهم ارزقنا الذرية الصالحة ). هل كانت تكره والدة زوجها ؟ لا ... كانت تعلم أن ( أعز الولد ولد الولد ) وهي سيدة قد أصابها الشيب وتقدم عمرها وكل امانيها أن ترى لأبنها ولد تقبله على جبينه ثم تلقى ربها. ولكنها ماتت قبل أن يأتي عمران إلى الدنيا . فلما جاء عمران أصرت والدته على هذا الاسم فقد أعاد الربيع إلى حياتها وزادت صلتها بزوجها الذي وقف بجوارها كل هذة السنوات ينتظر ايضًا ولده ورفض إغراءات والدته بالزواج من أخرى . عمران سر الحياة . الابتسامه تعلو شفتاه وهو طفل وهو صبي وهو شاب . لم تكن تراه إلا عمران .. وهل تكتمل الحياة وتزدهر بدون إبتسامته .. بدون عمران. لن تنسى أول يوم له عندما كان يحبو على الارض ثم فجأة وبدون أي مقدمات قام ووقف وبدأ المشي ويمد يده إليها تشابكت في هذة اللحظة نظرات العيون ولمعت عينها قبل أن تضمه إلى حضنها وتدور وتدور وتبكي فرحًا وتردد ( كبرت يا عمران بقيت تمشي ) . هي تحب عمران بلا شك فهو ولدها الوحيد الذي جاء بعد صبر وطول إنتظار ولكنها لاتحب أمل. هي لاتغار منها ولكنها لاتحبها ولعل أمل كانت سبب اضطراب العلاقة بينها وبين عمران فكثيرًا ما كانت تدخل إلى غرفته وكانت تظن أنه يذاكر فتجده يتحدث اليها فى الهاتف فتشير اليه بيدها ان ينهي المكالمة فيشير هو الاخر بيده اليها بالصبر . وتكرر الدخول فتجده لازال يتحدث فتكرر إشارة يدها فيكرر هو الاخر ما فعله فى المرة الاولى. لم تكن قد رأت أمل ابدًا فقط تسمع عنها في حديث إبنها الذي لايخفي انه يحبها ويرغب أن يتقدم اليها بعد الحصول على شهادته الجامعيه ليخطبها. لم يكن والده يمانع في هذا بل كان يرى أن الزواج المبكر أفضل بكثير للشباب خاصة وهو يستطيع الباءه كما أوصى رسول الله وهي ايضًا لاتمانع فى الزواج المبكر ولكن لماذا أمل ؟ هل هي جميلة ؟ هل تطمع في أموال والده ؟ ما الذى تعرفه عن أمل إلا حديث عمران عنها وحبه لها ؟ شىء اخر عرفته عندما وجدته مهمومًا فى يوم من الايام - ولدى .. لماذا أنت حزين ومهموم ؟ - لاشىء. - تبدو على غير طبيعتك. - أبدًا . والد أمل في المستشفى وسيجري عملية. حاولت أن تبدو طبيعية و هي تقول - إن شاء الله سيخرج بخير. - سأذهب غدًا للمستشفى للأطمئنان عليه . إنه يحتاج إلى نقل دم وسأتبرع له. صمتت وحاولت أن تبدو طبيعية مرة أخرى وهي تقول - تتبرع له ؟ ولماذا لاتتبرع له أمل ؟ - أمل لن تستطيع أن تتبرع له ؟ - لماذا ؟ - أمل مريضة بالقلب ولن تستطيع أن تتبرع لوالدها. يا إلهي ولدى يحب مريضة بالقلب ما الذي يجبره على هذا ؟ هل تستطيع هذة الفتاة بمرضها أن تكون مسؤولة عن منزل وتنجب أطفال أصحاء ؟ الفتيات كثيرات و الجميلات كثيرات فلماذا أختارها وهو يعلم بمرضها ؟ كانت أمل تؤرق منامها وتنغس حياتها ولكن كل هذا لايبدو لعمران فرب عناد يؤدي إلى نتائج غير محمودة ولما الصدام الان ؟ الصبر مفتاح الفرج سينساها ولايفكر بها بمجرد أن يتخرج ويعمل مع والده ويشعر بالدنيا . أمل فتاة جميلة رقيقة تميل قليلا الى الطول ولكنها ليست طويلة وتميل قليلا إلى النحافة ولكنها ليست نحيفة هي ممشوقة القوام قمحية اللون عيناها كلون الليل انفها دقيق فمها صغير تعلو وجهها سعادة تغمر عمران . يملء عيناها طموحًا لاحدود له . لا تفقد الامل فى أن الغد أفضل دئمًا وكأن كل شخص بالفعل له نصيب من أسمه هي أمل فعلاً وهو عمران ايضًا. ارتفع صوت الفرامل .. لم يصدمها ولكنها تعثرت ووقعت على الارض فأسرع إليها ليساعدها ولكنها رفضت ونظرت اليه فى تعجب فلما العجلة ؟ فعاد إلى سيارته . وعندما دخل إلى المدرج متسللا من بابه الخلفي حتى لايراه الدكتور جلس في أول مقعد خالي فوجد نفسه بجوار أمل التي شعرت انها صدفة . وبمجرد ما أنتهت المحاضرة ابدى أسفه وأعتذارة على ماحدث وأنه لم يكن يقصد ما حدث وربما صدفة المقعد الخالي بجوارها قد أتاحت له فرصة توضيح موقفه فإبتسمت وقبلت إعتذاره. ومنذ هذا اليوم والمقعد الذي بجوارها لم يخلو من عمران حتى ولو تأخر عن موعده حجزته . حجزت له مقعد بجوارها ومقعد آخر فى قلبها. مع مرور الايام إقترب عمران من أمل وصارحها بحبه لها ... كان يعلم أنها ستوافق .. هذا ليس غرور ولاثقة مفرطة في نفسه ولكن البدايات كانت مشجعة... كان يشعر بها كل يوم أكثر وكان يعلم أنها تحبه ايضًا فلما يتأخر ؟ اليس من الافضل أن يصارحها بحبه ؟ اليس من الافضل أن يسمحا لقلبيهما أن يتراقصا معًا على أنغام الدانوب الازرق لشتراوس فيشعرا بأنهما لايلمسان الارض إلا ليندفعا ويحلقان معًا . والدته لاتستطيع الصبر عام وراء عام وقد اصبحت الدراسة الجامعية على وشك الانتهاء وعمران متمسك بأمل لذا فضلت أن تلعب من وراء الستار لتبعد ولدها الوحيد عن تلك الفتاة . فألحت على والده أن يعمل معه ليتعلم أسرار العمل ويتقنه فإذا ما تخرج كان مؤهلاً له . كانت لاترغب فى إستمرار هذة العلاقة. ربما تغار من الفتاة أو تريد لولدها الوحيد فتاة أفضل منها . وفي الصيف لمحت لوالده بضرورة سفر عمران لفرنسا ليتعرف على الموردين الاجانب ويصبح رجل أعمال بما تحمله الكلمة . كان والده يعلم مايدور فى خاطرها من وساوس وأفكار وأكثر من مرة أراد أن يبعث الطمأنينة في قلبها ولكنها قلقة وخاصة بعد علمت أن أمل مريضة بالقلب .. هي تريد إبعاد ولدها إلى اخر بلاد الدنيا لعله ينسى أمل. الجو فى فصل الربيع بديع جدًا يلائم الرومانسية .. منذ سنوات طويلة لم يزور الربيع الدنيا بهذة الرقة .. أمواج النيل ساعة الغروب ترتطم بالشاطىء فى هدوء .. ومن بعيد ينبعث صوت الاغاني والموسيقى من المراكب .. على مقعدين متقابلين في أحد الاركان يجلسان قبل السفر بيوم أصر عمران على هذا اللقاء وكانت أمل مضطربة لم تتعود أن يبتعد عنها عمران كل هذة المدة . شهر يا عمران .. تسافر شهرًا كامل .. ثلاثون شروقًا وثلاثون غروبًا .. هكذا .. كم ثلاثون فى أعمارنا لنضيعها؟. هو سعيد بتجربة السفر فسوف يشاهد العالم ويعقد صفقات ويتعرف على أشخاص جدد .. علاوة على أن هذا معناه ثقة والده فيه ولا يمكن أن يضيع هذة الثقة .. باقي عام واحد على نهاية الجامعة ثم يعمل مع والده فكيف سيدير هذة المؤسسة بدون تدريب ومعرفة.؟ نظرات أمل تقلقة .. هي تتحدث ولكنها ليست سعيدة مثله . وهو لايريد أن يسافر دون أن يرى إبتسامتها تلك الابتسامة التي سترافقه حتى يعود. أمل تخطت حاجز القلق إنها خائفة .. تخاف أن ينساها .أن ينشغل بمصالحه .. تخاف الا يعود . - هل تنساني يوما إذا ما فرقتنا الايام ؟ - وكيف انساك وقد تركت قلبي بين حروف اسمك فلم يعد ينبض الا وهو يردده. - ولكن الزمان ستيغير والمكان سيتبدل وتنساني . - وكيف يتغير الزمان ولنا في كل يوم ذكرى فأصبحت كل الايام اعياد نحتفل بها . كيف يتغير الزمان وهو يحمل بين ايامه ماض جميل وحاضر منعش ومستقبل سعيد . كل الايام اصبحت اعياد يا حبيبتي . وكيف يتبدل المكان وقد اصبحت الشوارع شاهدة على حبنا وتتغنى به وتعلمه لكل المحبين . كل مكان لنا فيه موقف بل ان حبي لك علمنى كيف اكتب الشعر فأصبحت اكتبه في كل مكان نذهب اليه . ثم تقولين سأنساكِ؟ ... لو أن الزمان تغير والمكان تبدل فسأظل احتفظ بحبي لك في كياني. ثم كيف انساكِ ولما انساكِ ؟ - ستجىء اخرى تردد لها نفس الكلام وتنساني - وكيف بأخرى ان تجىء وتحل محلك في قلبي وانت كل النساء . وكيف اردد نفس الكلام وقد قلته كله لك فلم يعد كلامي له معنى الا وانا اردد اسمك فيه . فنظرت إليه وقالت بصوت دافىء - هل أنت متأكد انك لن تنساني ؟ - استحلفك بالله لاتردديها فكلما سمعتها شعرت اني مقصر في حبك . سافر عمران مع والده وترك وعدًا تشهد عليه زهور الربيع بعودتة . سأعود وسنلتقي وسأذهب لوالدك أطلب يدك منه .. سأقول له إنني أحبها قبل أن اراها .. أحبها قبل أن أجىء إلى الدنيا .. كنت أعلم أن القدر سيكافأني ويهديني إياها. هل سيتعجب والدك من كلامي؟ سأعود وأحمل معي خاتم أضعه فى يدك .. مكتوب عليه إسمي . بالرغم من إبتسامتها لأنها تسمع هذا الكلام فسيجيء عمران ويتقدم لخطبتها وتتوج قصة حبهما بالنهاية المنتظرة والطبيعية إلا أن هناك شيئًا في أعماقها يجعل الابتسامة غير مكتملة. والدته تطمئن إلى تجربة السفر فأخيرًا سافر عمران وإبتعد عن أمل وسيتعلم أن الدنيا ليست الحب فقط ولكن هناك أشياء كثيرة يجب أن تكون موجودة لتكتمل الحياة. سيشاهد عالمًا جديدًا ويتعلم ويتعلم ثم يقتنع أن خطوة الارتباط يجب أن تؤجل أو أن الاختيار يجب أن يكون مناسب . عمران سعيد جدًا بهذة التجربة الجديدة فهذة أول مرة يجلس وجهًا لوجه مع رجال أعمال ويحضر إجتماعات وأحيانًا يتخذ قرارات بالمشاركة مع والده ولكنه في الحقيقة لم تشغله حسناوات الغرب عن حبيبة القلب فهو ينتظر لحظة العودة بفارغ الصبر ليتقدم لخطبتها. تحين عمران الفرصة وصارح والده بما يفكر فيه ولم يعارضه الوالد بل كان أهم شىء عنده هو أن يتعرف على هذة الفتاة وأتاح عمران هذة الفرصة لوالده في إحدى المكالمات التليفونية فتحدث إلى أمل وتولد لديه إحساس بأنها إنسانة محترمة. حينما تبتسم الدنيا وتقدم لك ماتريده بكرم زائد عن الحد في إحدى صفحاتها فكن متأكدًا تمامًا أن الصفحة التالية ستحمل بين سطورها شيئًا لم تكن تتوقعه أو إن أردت أن تقول فهي دورة الحياة الطبيعية من سعادة إلى حزن ثم فرح يليه حزن هكذا تستمر الحياة. لعل هذا كان شعور أمل في هذا اللقاء هل كانت تفهم الحياة أكثر من عمران ؟. التلفاز هو الشىء المسلي الوحيد في حياة والدة عمران ففي الصباح تذهب إلى النادى لتمارس رياضة المشي ثم تعود فتتناول الافطار أمام التلفاز تنتظر مكالمة عمران . الحياة مملة بدونه فلم تتعود أن تتناول طعامها إلا معه فيتبادلا الحديث معًا والقفشات ثم يذهب إلى الجامعة. هذا السفر قد طال ولكنها هانت فبعد يومين يحضر إليها ويحكي لها ما حدث في هذة الرحلة. جاء صوت الهاتف من الغرفة المجاورة ... هذا عمران ... ولكن الهاتف يرتجف ... ودقات قلبها سريعة ... الجدران تضيق عليها ثم تذهب عنها فترى الغرفة ضيقة جدًا ثم تراها كبيرة فتزيد المسافة بينها وبين الهاتف فتشعر برجفته أكثر ... الخطوات تبدو ثقيلة أو متباطئة .. أين ظلي الذي أراه يتابعني كل يوم وأنا أجري إلى الهاتف لأسمع صوت عمران؟ تمتد يدها لتمسك بسماعة الهاتف وصوت شهيقها وزفيرها يعلو ويرتفع ... نظرات عينيها تجول في المكان مضطربة غير ثابتة ... أخيرًا رفعت سماعة الهاتف ليجيء صوت زوجها ويخبرها أن عمران في المستشفى وأنها يجب أن تلحق بهما هي وأمل لأن الاطباء أخبروه أنه قد يفارق الحياة في أي وقت. لم تجيب وكأن الكلمات توقفت في فمها ... تسمع فقط ... الدموع تنهار في صمت ... ستأخذ الدنيا تلك الابتسامة التي إنتظرتها طويلاً .. سيتوارى عنها كل شىء جميل ... تبكي فالبكاء سيرافقها وكانت قد نسيته منذ أن سمعت أول مرة يبكي فيها عمران بعد ولادته ... من سيملء حضنها ويقبل جبينها كل يوم ؟ من ستطل عليه في كل ليلة لتغطية من برد الشتاء ؟ من ؟ هل كانت أمل تتوقع أن شيئا ما سيحدث ؟ هل كانت المفاجأة هي سر الصمت الذي لازمها وهي تجلس بجوار والدة عمران أثناء رحلة السفر. كلاهما لم يتقابلا ولم يتكلما قبل ذلك . عندما جاءها هاتف من والدة عمران لتخبرها شعرت وكأن جسدها ينتفض .. أمل تبكي وهي تسمع الكلام و والدة عمران تبكي وهي تخبرها والدموع انهارًا من العيون وكأنها سيول لاتنتهي أو نهر لايجف. كانت والدة عمران تطلب من أمل الهدوء مراعاة لأحوالها الصحية. - الهدوء يا أمل الهدوء حافظي على صحتك . عمران كان يحدثني عنك وعن حبه لك كان ينوي أن يتقدم لخطبتك عندما يعود .. كنا ننتظر عودته و الان هو الذي ينتظرنا .. غدًا نسافر في أول رحلة إلى فرنسا .. كانت صادقة فى كلامها .. هل ندم على انها كانت سببًا في سفر عمران و ابتعاده عنها؟. أم هو ندم عن إحساس بالظلم تجاه أمل ؟ أحيانًا لايشعر الانسان بالندم إلا في الجولة الاخيرة عندما تبدو النهاية قريبة فيشعر في هذة اللحظة بما كان يفعله ويتمنى لو أن الايام تعود فيصحح أفعاله . هذا الشعور بمثابة الفقرة الاخيرة و الطبيعية في قصة مراجعة النفس .. لن تعود الايام و لو عادت لكررنا ما فعلناه هذة طبيعة الانسان ... النسيان. على أحد الاسرة في مستشفى في العاصمة باريس كان عمران يرقد في غيبوبة لم يفيق منها إلا عندما دخلت والدته مع أمل .. جرت والدته نحوه تقبله وتضمه إلى صدرها . كثيرًا ما كانت تحتضن عمران قبل النوم عندما كان صغيرًا وتغني له وتقص له الحواديت حتى يغيب في النوم فتنسحب في هدوء .. عندما ينجح في الدراسة لم يجد إلا هذا الحضن الدافىء ليرتاح فيه .. كانت جميع الاحضان في كفة و هذا الحضن في كفة أخرى فهو الاخير .. لا تريد أن تتركه . أِشار عمران إلى أمل أن تجلس على مقعد بجوار فراشه ومد يده إليها فتشابكت الاصابع كما كانت تتشابك في الجامعة وحديث العيون أبلغ من أى حديث وكأنه يذكرها بعهده الذي عاهدها قبل السفر بأنه لن ينساها ابدًا . مد يده بورقة صغيرة مكتوب عليها بخط رقيق جملة واحدة : - حبيبتى أهديك قلبى بعد أن أموت حتى أظل أحيا بداخلك. فقط هذا ما كتبه إنه يريد أن يتبرع بقلبه لأمل بعد أن يموت فهو يعلم أنها مريضة بالقلب ويريدها أن تعيش بعافية .. بكت أمل ووقفت وجلست ووقفت وجلست .. - إلى أين أذهب ؟ هل تنشق الارض و تبلعني الان فأغيب في أعماقها ؟ تهديني قلبك بعد أن .... لا أستطيع أن أنطقها . تذهب وتترك قلبك داخلي فيكون عمران لحياتي. هل تظن أنني سأعيش بعدك ؟ وكيف تكون الحياة ؟ جفت دموع والدته فجأة .. توقفت الدموع و إلتزمت صمت حائر وإكتفت بالنظرات إلى أمل و عمران .. لم تنطق بحرف واحد وكأنها تستعيد الذكريات كيف كانت ترفض أمل وكيف كانت تتحدث عنها ولاتريدها لعمران . اليوم هي لاتريد أن تعارضه في اخر طلب له .. ربما يموت الان . وأثناء كل هذا توقفت الاجهزة الطبية معلنة عن النهاية التي يعلمها الجميع .. إنطلق الاطباء إلى الغرفة بعد أن خرج الجميع منها .. مجموعة من الصدمات الكهربائية دون فائدة . داخل غرفة العمليات نقل الاطباء قلب عمران إلى أمل بناءًا على وصيته وبعد انتهاء العملية وعندما غابت اثار المخدر وفاقت أمل وجدت والدة عمران بجوارها تنظر اليها وتردد - حمد الله على السلامة يا أمل. - سلمك الله . - أين عمران ؟ - سافر مع والده إلى مصر ليدفن هناك . - لماذا لم تسافر معهم ؟ - كيف أسافر و أتركك وحيدة ثم أن قلب عمران ينبض بداخلك . إمتدت يد والدة عمران إلى سماعة الطبيب ووضعتها فى أذنيها و وضعت الطرف الاخر على صدر أمل هي الان تسمع نبضات قلبه تمامًا كما كانت تسمعه لأول مرة في السونار قبل الولادة .. كان الطبيب الذي يتابعها أثناء فترة الحمل يعلم جيدًا ماذا يفعل هذا الصوت في قلب الام فرفع صوت القلب حتى أصبح مدويًا كالصدى فسجله لها ولازالت تحتفظ بهذا التسجيل فهو ما تبقى من عمران الان. وضعت سماعة الطبيب جانبًا ونظرت إلى أمل وطبعت قبلة على جبينها وضمتها إلى صدرها وإبتسمت إبتسامة الامومة الصادقة وكأنها راضية عن أمل و كأنها تعتذر عن أفكار قديمة كانت تفكر بها . - عمران لم يمت . كان يناديني يا والدتي فهل تناديني كما كان يناديني . - يا والدتي . لن أناديك إلا بها. الذي قال أن الاعمار تنتهي بشهيق يملء صدورنا ولايخرج .. لم يقابل عمران طول حياته.
|
04-24-2013, 09:23 PM | #3 | |
~ مشرف منتدى الاثاث والديكور المنزلى ~
|
قصة غايه بالروعه..
من معرف اعتدنا على تميزه... ننتظر جديدك.. |
|
|
06-20-2013, 05:55 AM | #4 | |
حبيب ذهبى
|
مأراوع قلمك حين يصول ويجول
بين الكلمات تختارى الحروف بكل أتقان تصيغى لنا من الأبداع سطور تُبهر كل من ينظر إليها دمتى بحب وسعاده |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|